أخناتون العظيم.. يرقد هنا!

TT

بالأمس أعلنت أمام وسائل الإعلام العالمية في المؤتمر الصحافي الذي عقده المجلس الأعلى للآثار في مصر بالمتحف المصري بالقاهرة عن اكتشافات مهمة جدا تلقي مزيدا من الضوء على عائلة الفرعون الذهبي «توت عنخ آمون»، هذه الاكتشافات هي البداية لصفحة جديدة في استخدام التقنيات الحديثة والتكنولوجيا المتقدمة في مجال الكشف الأثري.

لسنوات طويلة ظلت المومياوات المصرية صامتة لا تبوح إلا بأقل القليل عن أسرارها إلى أن جاء العلم الحديث وكشف لنا عن مفتاح جديد لحل أسرار المومياوات خاصة تلك التي تنتمي إلى عائلة واحدة.. هذه التقنية هي تقنية الحمض النووي المعروف اختصارا بـ«DNA» إضافة إلى تكنولوجيا الأشعة المقطعية المعروفة اختصارا بـ«CT-Scan». أخيرا وبعد دراسة كاملة استمرت ثمانية عشر شهرا على مومياء الملك توت عنخ آمون المحفوظة بمقبرته بوادي الملوك بالأقصر، وكذلك مومياوات يفترض أن تكون من عائلة الملك توت. وقد أقمنا معملا للحمض النووي ببدروم المتحف المصري، وآخر بكلية طب جامعة القاهرة يعمل بهما فريقان من علمائنا المتميزين، كل فريق يعمل في معمل يبعد عن الآخر ويعاونهما علماء ألمان متخصصون في دراسة نتائج الحمض النووي.

وقد أعلنت في المؤتمر الصحافي أن مومياء المقبرة رقم «KV 55» هي مومياء الملك «أخناتون» الذي حيّر العلماء والباحثين سواء بحثا عن موميائه أو دراسة لظروف عصره، وهو أول من نادى بالتوحيد وأراد تغيير الديانة التعددية في مصر القديمة.. ليس هذا فقط بل أكدنا أن أخناتون هو أبو الملك «توت عنخ آمون». جاء هذا التأكيد بعد محاولات سابقة أشارت إلى احتمال كون المومياء «KV 55» هي مومياء أخناتون ولكن كان يقف أمام ذلك الدراسات التي تشير إلى أن المومياء هي لذكر يبلغ من العمر 25 عاما، الأمر الذي رجح معه كون المومياء لملك لا نعرف عنه الكثير وهو «سمنخ كارع» الذي حيّر العلماء أيضا.. هل كان أخا للملك توت، أم أنه كان هو نفسه الملكة الجميلة التي ربما كانت قد اشتركت في الحكم مع أخناتون في العام السابع عشر من حكمه وغيّرت اسمها إلى سمنخ كارع؟!

كانت المشكلة إذن هي في افتراض أن هذه المومياء عمرها 25 عاما.. أما الدراسات التي قمنا بها مع علماء الأشعة المقطعية فقد أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن المومياء «KV 55» هي لذكر يبلغ من العمر 60 عاما. بالإضافة إلى أن الحمض النووي أثبت أنه ابن الملك «أمنحتب الثالث»، وأنه - كما ذكرنا - أبو الملك توت عنخ آمون. هذا الكشف يضع الأمور في نصابها التاريخي ويسدّ فجوة ظلت موجودة منذ الكشف عن مومياوات الملوك سواء المعروفة أو غير المعروفة.

أما الكشف الآخر المهم فهو أن الدراسات أكدت أن المومياء «KV 55» هي لرجل طبيعي لا يوجد به أي تشوهات أو عيوب ولا توجد مظاهر أنثوية داخل الجسد.. وهو ما كان البعض يفترض وجوده في الملك أخناتون نظرا إلى تماثيله ورسوماته التي تظهره بمظاهر أنثوية، منها ترهُّل الجسد عند منطقتَي البطن والأفخاذ، وكذلك الصدر الأنثوي. وبات علينا الآن تفسير مثل هذه السمات الفنية للفن في عصر أخناتون، والإجابة نجدها في أنشودة الملك لآتون الإله الذي عبده أخناتون وجسّد مظاهر قوته في قرص الشمس ذات الأشعة التي تنتهي بأيدٍ بشرية.. تقول الأنشودة: «أنت الذكر والأنثى.. خلقت كل شيء وأوجدت من العدم».

أخيرا فنحن نعرف الآن أين يرقد الملك الموحد أخناتون.