أوباما وإيران: هل حانت نهاية الأوهام؟

TT

هل شرعت إدارة أوباما أخيرا في التخلي عن أوهامها حيال النظام الخميني في طهران؟

منذ ستة شهور فقط، كان سيبدو من قبيل السذاجة مجرد طرح مثل هذا التساؤل. أما اليوم، فتبدل الحال مع ظهور دلائل توحي بأن بعض العناصر الجوهرية، على الأقل داخل الإدارة الأميركية الجديدة، شرعت في النظر إلى ما وراء الرؤية الوردية التي ينتهجها أوباما فيما يخص التعامل مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

بالتأكيد، لا يزال من المبكر للغاية الحديث عن أي تغيير ملموس في السياسة الأميركية تجاه طهران، لكن ما تغير بالفعل أسلوب تحليل المشكلة.

في البداية، نظر أوباما إلى المشكلة الإيرانية بنفس الأسلوب الذي حلل من خلاله القضايا الكبرى الأخرى، وهو أسلوب قائم على فكرة أن كل المشكلات نتاج أخطاء جورج دبليو بوش. وعليه، فإن كل ما يحتاجه أوباما هو الشروع في النهج المضاد تماما للنهج الذي يظن أن سلفه اتبعه طوال ثماني سنوات.

اعتمد تحليل إيران للمشكلة الإيرانية على أربعة افتراضات، الأول: أن حكام طهران يتصرفون على هذا النحو، بما في ذلك سعيهم لصنع أسلحة نووية ودعمهم جماعات إرهابية، لخشيتهم التعرض لغزو أميركي. وبالتالي، كان كافيا أن يقدم الرئيس الجديد تأكيدات بأن مثل هذا الغزو لا يجري حتى مجرد التفكير فيه كي يشرع القادة الخمينيون في تغيير سلوكهم.

هناك مؤشرات حاليا توحي بأن إدارة أوباما بدأت في التخلي عن هذا الافتراض، بل وحتى جوزيف بايدن، نائب الرئيس، المعروف دوما بتعاطفه مع النظام الخميني منذ أيامه الأولى، يعترف الآن أن حكام طهران ربما يكونون بالفعل أسرى لأحلام مجنونة تسعى إلى خلاص العالم من المتعذر استيعابها والتعامل معها عبر الأساليب الدبلوماسية المعتادة القائمة على العطاء والأخذ.

أما الافتراض الثاني الذي ينطلق منه أوباما فيتمثل في أن القادة الخمينيين لم يقرروا بعد بناء ترسانة نووية، وأن زعمهم بأنهم يسعون إلى بناء برنامج نووي سلمي فحسب لا ينبغي رفضه من دون تروٍ. وقد تعرض هذا الافتراض أيضا للنسف على يد حقائق الواقع. لدى تولي أوباما الرئاسة، كان لدى الجمهورية الإسلامية 400 آلة طرد مركزي تتولى تخصيب اليورانيوم إلى نسبة تبلغ 3.5%. وبعد عام، ارتفع عدد مثل هذه المعدات العاملة في إيران إلى 8000، يتولى بعضها تخصيب اليورانيوم إلى نسبة تبلغ 20%. بل وادعى الرئيس محمود أحمدي نجاد أن عدد معدات الطرد المركزي العاملة ارتفعت إلى 50000 أو أكثر في غضون أشهر قلائل مع قدرتها على تخصيب اليورانيوم بنسبة تبلغ 80% أو أكثر. وكانت رسالته واضحة: نحن قادرون على صنع القنبلة متى أردنا!

ربما لا تزال الشكوك تساور أوباما حيال رغبة طهران في بناء قنبلة نووية، لكن رئيس وكالة الاستخبارات المركزية العامل تحت إمرته، ليون بانيتا، يعتقد خلاف ذلك. في إطار شهادة أدلى بها أمام الكونغرس، قال بانيتا إن أدلة تفيد بأن المشروع النووي الإيراني مصمم بصورة أساسية لخدمة الأغراض العسكرية تتنامى.

أما افتراض أوباما الثالث فيتمثل في أن الجمهورية الإسلامية، مثلما كان الحال مع الصين الشيوعية عام 1972 عندما قام الرئيس ريتشارد نيكسون بزيارته الشهيرة إلى بكين، لديها قيادة مركزية قادرة على فرض إرادتها في الداخل والوفاء بوعودها لشركائها الأجانب. على امتداد أكثر من عام، رفض مستشارو أوباما والمتحدثون الرسميون باسمه التعامل مع أحمدي نجاد، مدعين أن السلطة برمتها داخل الجمهورية الإسلامية تكمن في يد المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي.

من جهته، بعث أوباما رسالتين خطيتين إلى خامنئي وطلب من أربعة أصدقاء عرب مشتركين، على الأقل، نقل رسائل شفاهية ترمي للمصالحة وبناء أواصر الصداقة إلى آية الله الذي اختار عدم الرد. الآن، يجري التخلي أيضا عن هذا الافتراض، على الأقل من قبل بعض العناصر المحورية داخل الإدارة، حيث بات واضحا في الوقت الراهن أن خامنئي، الذي اتسم دوما بأنه قائد متردد، لا يمثل نسخة إيرانية من دنغ زياو بنغ، وليس في وضع يمكنه من الدخول في مفاوضات لإبرام صفقة كبرى مع «الشيطان الأكبر».

وحاليا، تسير الجمهورية الإسلامية، التي بدأت نظام حكم ديني تغلفه قشرة خارجية من الديمقراطية الزائفة ترمي إلى خداع الطبقة الوسطى الإيرانية، في طريقها نحو التحول إلى نظام ديكتاتوري عسكري - أمني على غرار الأنظمة السائدة بين دول العالم الثالث.

خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، اعترفت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، بهذه الحقيقة عندما أعلنت أن النظام الخميني بدأ يتخذ حاليا شكل نظام عسكري.

ويتفق الكثير من المراقبين للمشهد الإيراني مع هذا الرأي. في الوقت الذي يخبو نجم الملالي، بما فيهم خامنئي، يصعد نجم الجنرالات الذين يتولون إدارة فيالق الحرس الثوري الإسلامي. وعليه، سيكون من الأفضل لأوباما أن يبعث رسالته الخطية التالية إلى قائد الحرس الثوري، جنرال محمد علي عزيز جعفري، بدلا من خامنئي.

أما الافترض الرابع لأوباما فيرى أن الجمهورية الإسلامية تعد نظاما مستقرا من غير المحتمل أن يهتز تحت وطأة توترات داخلية أو ضغوط خارجية. وعليه، فإنه يرى أن سعي بوش لتغيير النظام الإيراني لا يعدو سرابا.

في الواقع، لم يقر بوش مطلقا تغيير النظام كسياسة، وحاول في ثلاث مناسبات على الأقل «التعاون» مع النظام الخميني دون جدوى. أيضا، يجري حاليا التخلي عن هذا الافتراض داخل واشنطن. قطعا شاهد أوباما ما كان يجري في إيران منذ الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في يونيو (حزيران) الماضي. ولا يمكن وصف نظام أجبر على اللجوء إلى عملية عسكرية كاملة للسيطرة على عاصمته بأنه مستقر. وقد بدأت بعض الشركات الأجنبية التي تتمتع بتاريخ طويل في مساعدة النظام الخميني في إدراك أن النظام يهدده الخطر. وعليه، انسحبت شركات نمساوية لتوها من مشروعات تبلغ قيمتها عدة مليارات من الدولارات ترمي إلى نقل الغاز الطبيعي الإيراني إلى باكستان والهند وأوروبا.

كما أوقفت شركة «سيمنس» الألمانية جميع نشاطاتها في إيران، منهية بذلك وجودها في البلاد الذي يعود إلى عام 1875. وانسحبت مجموعة من مستثمرين ماليزيين من مشروع لمساعدة طهران على بيع سندات حكومية في سوق رأس المال العالمية.

علاوة على ذلك، تم التخلي عن خطة لإنشاء مصرفين تركيين جديدين لمساعدة نظرائهما الإيرانيين على التغلب على العقوبات الأميركية. وشرعت دول مثل إسبانيا والنمسا واليونان ودبي وماليزيا كانت قد عاونت الجمهورية الإسلامية لسنوات على الالتفاف على العقوبات في مراجعة سياساتها.

وتشير الإحصاءات إلى أن إجمالي التجارة بين إيران والاتحاد الأوروبي تراجع بنسبة 13% عام 2009. وقلصت ألمانيا، الشريك الرئيسي لإيران داخل الاتحاد الأوروبي، تجارتها مع إيران بنسبة 17%. وحتى الصين بدأت تبدي قلقها إزاء مستقبل النظام الخميني الذي تخلفه الشكوك. ولا تزال المحادثات الجارية حول بناء 10 منشآت لتكرير النفط و5 منشآت للطاقة النووية على الأقل متجمدة، رغم وعود أحمدي نجاد بتحقيق «قفزة إلى الأمام» فيما يخص تلبية احتياجات إيران من الطاقة. حاليا، أصبح بعض أعضاء إدارة أوباما على الأقل مستعدين للتفكير في خيار تغيير النظام كاحتمالية قائمة. بل وذهب مستشار الأمن القومي لأوباما، جنرال جيم جونز، ذلك بإعلانه أن حزمة العقوبات الجديدة الجارية دراستها مصممة لـ«الإسهام في الإسراع من تغيير النظام» في طهران.

رغم أن أسلوب تحليل واشنطن للمشكلة يتبدل، تبقى مشكلتان: الأولى والأهم أنه من غير الواضح ما إذا كان أوباما نفسه مستعدا للاعتراف بخطأ تحليله الأول. أما المشكلة الثانية، فهي أن تغيير أسلوب التحليل لم يصاحبه إقرار سياسة جديدة بعد.