أنقرة ـ تل أبيب التصعيد سيد الموقف

TT

المسرحية الاستعراضية التي كتبها نائب وزير الخارجية الإسرائيلي، داني أيالون، واحتفظ لنفسه بدور البطولة فيها، وحاول إلزام السفير التركي لدى إسرائيل أوغوز شليك كول بلعب دور المغلوب على أمره، وصفها كبار نقاد الأعمال المسرحية بأنها كانت إنجازا فاشلا في التاريخ المسرحي للدبلوماسية الإسرائيلية، والدليل تسببها في صب الزيت فوق نار العلاقات المتوترة أصلا بين البلدين. آخر ما استطعنا جمعه من مواد وردود فعل ومواقف تصعيدية، باتت تعزز عندنا قناعة تقدم هذه العلاقات نحو الانفجار الكامل، الذي سيطيح تماما بكل ما بُني بصبر وتكتم، في العقدين الأخيرين، على طريق الشراكة الاستراتيجية، إذا لم تتحرك واشنطن لوضع حد لهذه الهجمات وحرب المواقع بين حليفيها الإقليميين.

في الجانب التركي تتمسك أنقرة بمقولتها إن حكومة نتنياهو ومواقفها وسياساتها تعكس تماما صورة أن هذه الحكومة غير راغبة في الجلوس أمام طاولة الحوار الإقليمي وعقد اتفاقيات السلام وإنهاء الصراع، وأنها، على العكس من ذلك، تعمل جاهدة لتوسيع دائرة حملات التعبئة والتحريض ضد حكومة أردوغان، متهمة إياها بالتخلي عن تعهداتها والتزاماتها ودورها الحيادي والمعتدل في مسائل المنطقة.

لكن الرد التركي الأعنف جاء عبر تسريب معلومات، في غاية الأهمية والسرية، إلى صحيفة «وقت» الإسلامية لم يعرف مصدرها، ولم تنفها المراجع العسكرية والحكومية حتى الآن تقول: إن القاضي التركي الذي كان يحقق في موضوع احتمال وجود مؤامرة تستهدف اغتيال رئيس مجلس النواب التركي الأسبق نائب رئيس الوزراء الحالي بولند أرنش، ويبحث عن أدلة لها علاقة بالقضية في الغرفة السرية لقيادة الأركان التركية، بعدما ثبت أن بعض المشتبه فيهم يعملون هناك، اكتشف صدفة وجود غرفة سرية أخرى يديرها مجموعة من الخبراء الإسرائيليين يتمتعون بامتيازات وحصانات منحت لهم منذ مطلع عام 1992. وميزة هذه الغرفة، المجهزة بأدوات رصد وتجسس إلكترونية متطورة، أنها قادرة على تعقب المكالمات اللاسلكية بين الأجهزة العسكرية داخل تركيا وفي البلدان المجاورة، هذا إلى جانب قدرتها على تتبع حركة الملاحة الجوية للطيران الحربي داخل تركيا والبلدان المجاورة وبينها سوريا وإيران. مزاعم من هذا النوع، أُفشي بها بمثل هذه السهولة، تعني الكثير للإسرائيليين والأتراك إذا ما ثبت صحتها في الأيام المقبلة.

الجانب الإسرائيلي لم يتأخر في الرد هو الآخر، وجاء الجواب أولا عبر تقرير أعده مركز الدراسات الإسرائيلي المقرب من الخارجية الإسرائيلية، وتبنته الوزارة ووزعته على الصحف الإسرائيلية. وهذا التقرير يشرح مطولا أسباب تدهور العلاقات بين تل أبيب وأنقرة من منظور إسرائيلي، محملا حكومة العدالة والتنمية الأخيرة، التي تغاضت عن حملات التحريض والدعاية المركزة داخل تركيا، مسؤولية تزايد العداء للسامية التي تقودها بعض وسائل الإعلام والتجمعات والهيئات الشعبية على مرأى ومسمع من حكومة رجب طيب أردوغان كما تقول.

وفي هذا الإطار برزت إلى العلن، في الأيام الأخيرة، المعلومات التي قدمها رئيس الجماعة اليهودية في تركيا، إيال بيريس، وهي أن أرقام الهجرة إلى إسرائيل ارتفعت في السنوات الأخيرة من معدل 60 مهاجرا في العام الواحد إلى 600 دفعة واحدة في العام المنصرم، محددا أهم أسباب ذلك بالعوامل الاقتصادية والسياسية وانتشار حملات التحريض ضدهم.

المؤكد هو أن النقلات التكتيكية والاستراتيجية ستتواصل وأن المواجهة قد تبدو وكأنها بين حكومتي البلدين، لكنها في تشعباتها وتفاصيلها باتت تعني أكثر من جهة داخل البلدين وخارجهما، وأن لاعبين كثيرين سيدخلون على الخط لتأجيج نار هذا التوتر.

أزمة تتفاعل وهي أكثر من أن تكون مجرد تصفية حسابات بين أنقرة وتل أبيب بعد الأزمة الدبلوماسية الأخيرة، وأكبر من أن تكون نقلة على رقعة إعادة تنظيم العلاقات بين الحكومة التركية وقيادة الأركان، التي كانت تنسق مباشرة مع الجانب الإسرائيلي كما يقال. وأبعد من أن يكون تداركها باقتراحنا على حكومة العدالة والتنمية التدقيق في الأرقام المقدمة حول الهجرة اليهودية إلى إسرائيل واتخاذ التدابير العاجلة والفورية لوقفها. فتسريع الهجرة اليهودية على هذا النحو يخدم قبل كل شيء ذهنية التطرف والتشدد في حكومة نتنياهو، التي تراهن على لعب هذه الورقة الثمينة في الداخل، والانتقام من حكومة العدالة والتنمية بتركها أمام ورطة متعددة الجوانب في علاقاتها مع الغرب.

*كاتب وأكاديمي تركي