حصان أبيض

TT

عندما احتل صدام حسين الكويت كانت جميع المشاهد محزنة ومؤذية إلا واحدا. امتدت أيدي الفلاسفة والمحللين العظام، وطبعا رجال الإعلام في العراق، إلى تكهنات المسيو ميشال دونوسترام المشهور باسمه التنجيمي نوستراداموس، وانتقت منها «نبوءة» تقول إنه سوف يحكم العالم ذات يوم فارس على حصان أبيض يأتي من الشرق. وسارعت فرقة مسرحية إلى إقناع صدام حسين بركوب حصان أبيض والوقوف أمام المصورين شامخ الرأس راخيا اللجام عظيم السنابك.

وبدأت موجة من الكتابة عن تنبؤات فرنسي القرن السادس عشر وما صح منها. وصغرت العقول العاقلة وانضمت إلى أربعة قرون من التهريج. وكانت أول نبوءة للعراق المذكور أن أبلغ ملكه هنري الثاني، بأنه لا يقهر. وبعد أسابيع قليلة قتل هنري وهو يلعب لعبة القفز. غير أن أرملته، كاترين دوميديسيس، تولت رعاية «العالم» ولا تزال الناس ترعاه في كل مكان. وقد نسبت إليه أشياء كثيرة، منها أنه تكهن بحريق لندن ومجيء هتلر. ومجيء معمر القذافي. والحقيقة أن نوستراداموس كتب رباعياته (على نسق الخيام) بطريقة غامضة يمكن أن تنطبق على أي شيء يقع في العالم. وفي بعض الأحيان لا تختلف «تنبؤاته» عن تنبؤات سوق العرافين في بيروت. وتكتشف إحدى المجلات الأسبوعية، كل أسبوع، عرافة أو عرافا يقرأ بخت البلد وأحوال الناس، من تغيير الحكومة إلى طلاق نجوى كرم. وواضح أن هؤلاء السادة والسيدات لا يزالون مبتدئين في فن التبصير، لأن قاعدته الأولى، إياك أن تحدد أي شيء أو تلزم نفسك بموعد.

لذلك قال لنا نوستراداموس إن العالم سوف ينتهي. أما الفترة التي ألزم نفسه بتحديدها فهي ما بين عام 1999 وعام 7 آلاف. وفي أيامه لم تكن قد ظهرت بعد النظريات «العلمية» التي تقول لنا إن عمر العالم 3 مليارات عام وعمر الشجرة مليونان ونصف المليون سنة، وربما بضعة أشهر أيضا.

عندما سقط الفارس القادم من الشرق عن حصانه الأبيض لم يعد أحد يتحدث عن نوستراداموس. لكن وزارة الإعلام العراقية كانت قد وزعت عشرات آلاف الصور للرئيس العراقي متوجا على فرسه من أجل أن يحكم العالم. وعلقت الصورة في منازل كثيرة في لبنان والأردن والمغرب وسواها. وعندما انتهت الأمور إلى ما انتهت إليه، لم يكن ثمة حرج مع الرئيس العراقي نفسه، ولكن مع الرجل الفرنسي الذي جلس ينظم الرباعيات، غير متوقع إطلاقا، بأنها سوف تتحول إلى صناعة وتجارة مهمة في عالم النشر. فالبشر لا يتغيرون. دائما يهوون من يتكهن لهم بالكوارث والحروب.