ما تغفله المشاحنات الحزبية حول استجابة أوباما للإرهاب

TT

أحيانا يلجأ جوزيف بايدن، نائب الرئيس الأميركي، إلى المبالغة في تصريحاته، ومع ذلك تتوافر أدلة توحي بأن الفكرة الأساسية وراء حديثه خلال المقابلة التي أجراها معه برنامج «ميت ذي برس» على قناة «إن بي سي»، الأحد، كانت صائبة، حيث قال: «لم نشهد من قبل قط مثل هذا التركيز ومثل هذا الحشد من الموارد ضد (القاعدة). ويتجاوز معدل النجاح أي إنجاز جرى تحقيقه في عهد الإدارة السابقة».

أما آخر الإنجازات في إطار حملة مكافحة الإرهاب فكان إلقاء القبض، أواخر يناير (كانون الثاني)، على الملا عبد الغني برادر، الذي يعد الرجل الثاني في طالبان الأفغانية. واضطلع بتنفيذ الغارة التي أدت إلى إلقاء القبض عليه في كراتشي عملاء تابعون لوكالة الاستخبارات المركزية والاستخبارات الداخلية الباكستانية، والذين أبقوا العملية طي الكتمان لأكثر من أسبوعين، حتى كشف عنها النقاب، الاثنين، من جانب «نيويورك تايمز».

وأكد أحد المسؤولين الأميركيين المعنيين بمكافحة الإرهاب أنه «توافرت لدينا معلومات (جادة) حول وجوده في هذا المكان. ويسر ذلك تحرك الاستخبارات الباكستانية».

حاليا، يقبع برادر داخل أحد السجون الباكستانية، طبقا لما ذكره المسؤول الأميركي، مضيف أن برادر «يقدم معلومات استخباراتية». تعد غارة كراتشي جزءا من حملة هجوم يجري شنها في الخارج يجري إغفالها في بعض الأحيان في خضم المشاحنات الحزبية حول ما إذا كان ينبغي أن توجه إدارة أوباما «تحذير ميراندا» (تحذير يوجهه أفراد الشرطة إلى المجرمين المشتبه فيهم داخل الولايات المتحدة قبل الشروع في التحقيق معهم) إلى الإرهابيين المشتبه فيهم. وأوضح المسؤول أن «الإجراءات الفعلية الجاري اتخاذها توجه ضربات قاصمة إلى (القاعدة) وحلفائها بمختلف أرجاء العالم».

وتكشف الأرقام ارتفاعا حادا في أعداد العمليات الموجهة ضد «القاعدة» وحلفائها في باكستان منذ تولي باراك أوباما الرئاسة. وتبعا لما قاله المسؤول الأميركي، فإن العام الماضي شهد شن 55 عملية باستخدام طائرات «بريداتور» من دون طيار في المناطق الحدودية الباكستانية. ويقترب هذا العدد من ضعف الهجمات المماثلة في ذروتها في عهد إدارة بوش، التي وصلت إلى منتصف الثلاثينات عام 2008.

الملاحظ أن وتيرة الهجمات بطائرات من دون طيار تسارعت هذا العام، فمنذ الأول من يناير، جرى تنفيذ أكثر من 12 عملية. وباستمرار هذا المعدل، فإن إجمالي الهجمات هذا العام قد تتضاعف تقريبا مجددا، ليتجاوز حاجز الـ100.

وتسببت هذه الغارات في أضرار جسيمة في صفوف كبار أعضاء «القاعدة». ومن بين الضحايا صالح الصومالي، رئيس العمليات الخارجية، الذي لقي مصرعه في 8 ديسمبر (كانون الأول)، وعبد الله سعيد الليبي، رئيس العمليات في باكستان، وقتل في 17 ديسمبر، وطاهر يولداشيف، زعيم «الحركة الإسلامية الأوزبكستانية»، وقتل في أغسطس (آب).

وطبقا لما قاله مسؤولون أميركيون، فإنه بداية من عام 2009، قتلت الهجمات باستخدام طائرات من دون طيار «عدة مئات» من مسلحين تابعين لـ«القاعدة» وحلفائها، بما يزيد على جميع من قتلوا في جميع الأعوام السابقة مجتمعة. كما أسفرت هذه الهجمات عن زعزعة قيادة طالبان الباكستانية، التي عمدت إلى شن حملة إرهابية عبر الحدود. في المتوسط، تطير نحو 6 طائرات من دون طيار فوق المناطق الحدودية غرب باكستان، بحثا عن أهداف، حسبما أفادت مصادر. وباتت هذه التغطية ممكنة نظرا إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية في عهد أوباما طلبت المزيد من الموارد لشن هجمات بطائرات من دون طيار في مارس (آذار)، وذلك أثناء المراجعة المبدئية للسياسة الأميركية تجاه أفغانستان وباكستان. وبحلول نهاية هذا العام، ستزداد أعداد الطائرات من دون طيار المتوافرة بنسبة 40% عما كانت عليه مطلع عام 2009.

علاوة على ذلك، زادت جهود الاستخبارات البشرية التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية التي تعتمد عليها الهجمات بطائرات من دون طيار. ويجري توجيه بعض هؤلاء العملاء بالتعاون مع وكالات استخباراتية أخرى، إلا أن العملاء الذين يعملون لحساب وكالة الاستخبارات المركزية وحدها في تنام. وتجري إدارة هذه الأصول من القواعد التابعة للوكالة في أفغانستان، مثل منشأة مقامة في خوست تعرضت لهجوم في 30 ديسمبر، وفي باكستان.

من جهته، قال الجنرال جيم جونز، مستشار الأمن القومي، الذي عاد إلى الوطن الجمعة بعد زيارة لباكستان استمرت ثلاثة أيام: «تتبدل مستويات الثقة التي تبديها الحكومة والمؤسسة العسكرية في باكستان تجاه الولايات المتحدة في اتجاه إيجابي». وأعرب عن انبهاره بما تبديه إسلام آباد من استعداد حاليا بتعقب مجموعة أوسع نطاقا من الأهداف.

وعلى الرغم من أن الحكومة الباكستانية تشكو في العلن من الهجمات التي تشن من طائرات من دون طيار، فإنها أقرت على الصعيد غير المعلن استراتيجية تبعا لقواعد سبق التفاوض بشأنها منتصف عام 2008. ويسمح الاتفاق لوكالة الاستخبارات المركزية بشن هجمات لدى توافر معلومات مؤكدة لديها وتقديم «إخطار متزامن» لباكستان، مما يعني قبيل إطلاقها صاروخ «هيلفاير».

من ناحية أخرى أكد بايدن في حديثه، الأحد، أن «القاعدة» وحلفاءها في حالة فرار مستمر، لكنه بالغ بقوله إنه من غير المحتمل أن تتمكن من شن هجمات جديدة على غرار 11 سبتمبر (أيلول). كيف تسنى له معرفة ذلك؟ لو كنا تعلمنا شيئا على مدار السنوات التسع الماضية، فهو أننا نواجه عدوا لديه قدرة كبيرة على تحمل الصدمات والتكيف مع الظروف. ولا تعني مسألة أنه بات ممزقا فقدانه القدرة على شن هجمات فتاكة.

*خدمة «واشنطن بوست»