اسمه إرهاب

TT

تابعت باهتمام ردود الفعل الإعلامية في مواقع الإنترنت والقنوات الإخبارية الأميركية لحادثة ارتطام الطائرة الخاصة بالمبنى الحكومي الفيدرالي بولاية تكساس، وبعد حالات الارتباك والقلق الأولية ومعاينة الشهود واللقطات وبدء اتضاح الواقعة تم «الخلاص» من إمكانية أن يكون الحادث إرهابيا، وأن المسألة هي وإن كانت «متعمدة» إلا أنها فردية ولأغراض خاصة تبين أنها انتحار وانتقام من مكتب الضرائب الفيدرالي قام به المواطن الأميركي قائد الطائرة. والحادث أدى إلى وفاة بعض الأشخاص وتدمير كبير جدا في المبني ومحتوياته، وأدى إلى حريق هائل استمر في الاشتعال لساعات غير قليلة.

ومع كل ذلك لم يعتبر الحادث إرهابيا! ومن الواضح الآن أن هناك تعريفا غير مكتوب أصبح يؤخذ به لتعريف الإرهاب، فحتى لو استوى شكل الحادثة (طائرة ترتطم بمبنى كبير) وأهداف الحادثة (إيقاع ضحايا وقتلى بمبنى ضخم) فالفرق سيكون في ديانة الفاعل، اسم الفاعل. الإعلام يبدو أنه بقصد أو من دون قصد قد وقع في الفخ وبلع الطعم تماما. الإرهاب من الممكن أن يقوم به فرد واحد (وهو تماما ما حدث من قبل تيموثي ماكفيه حينما قام بتدمير المبنى الحكومي الرئيسي بولاية أوكلاهوما مخلفا مئات القتلى ومحدثا دمارا هائلا)، أو من الممكن أن يقوم به مجاميع ومنظمات وميليشيات، والأمثلة على ذلك معروفة وكثيرة ومع ذلك لا يستخدم وصف الإرهاب عليها. فالمجموعات الدينية البروتستانتية المتطرفة التي كانت تقوم بصور منظمة بتفجير عيادات الإجهاض في أميركا واغتيال بعض الأطباء والممرضات والعاملين فيها لم يطلق عليهم لفظ «إرهابيين»، وكذلك الأمر بالنسبة للمجاميع والميليشيات المسلحة الراغبة في الاستقلال عن الحكومة الفيدرالية الأميركية والتي تقطن في أغلبها بالولايات الشمالية الغربية مثل وايومنغ ويوتاه ومونتانا، والتي حصلت بينها وبين قوات الدولة مواجهات كثيرة سقط على أثرها قتلى وجرحى، لا يطلق عليها أيضا وصف إرهابيين، وذلك على الرغم من نواياها وأهدافها الواضحة والمعلنة في مواقعها على الإنترنت وفي اجتماعاتها وكتبها ومطبوعاتها.

وطبعا لا يطلق كذلك على «عصبة الدفاع اليهودية»، وهي منظمة يهودية شديدة التطرف قامت باغتيال أساتذة جامعات وناشطين سياسيين دونما أن تلاحق بجدية ودونما أن تعامل كمنظمة إرهابية، على الرغم من أنها موجودة بالولايات المتحدة الأميركية ومنها «تخرج» أباطرة التطرف بالأراضي الفلسطينية المحتلة مثل باروخ غولدشتاين منفذ مذبحة الأقصى المعروفة، ومائير كهانة المعروف بتطرفه العدواني. الإرهاب لا دين له، ولا هوية له، ولا شكل له، وبالتالي محاولة وضع «بروفايل» محدد ودقيق الملامح فيه تغييب للحقائق والتعامل بمنتهى اللاموضوعية، وفيه أيضا تبسيط ساذج وخبيث لمسألة شديدة التعقيد. الإرهاب له أشكال مختلفة وله أضرار مهولة، وهو غير حصري في مجتمع بعينه أو في دين أو في عرق. نعم المسلمون لديهم مشكلاتهم وعقدهم وتحدياتهم، لكن هل هناك أحد بغير مشكلات؟ اسألوا المسيحيين في الهند عن مر معاناتهم مع التطرف الهندوسي العنيف والمشكلات والمخاوف التي تولدت هناك بسبب ذلك، اسألوا الهندوس في سريلانكا عن معاناتهم مع التطرف البوذي الحاكم ومعاناتهم من معاملة متطرفة، اسألوا الكاثوليك في أيرلندا الشمالية عن معاناتهم مع البروتستانت لسنوات طويلة نتج عنها هلع وقلق وموت ودمار، اسألوا الروس والصينيين وأهل اليمن الجنوبي السابق وإثيوبيا عما فعلت بهم الشيوعية إذا لم يؤمنوا بها ويتبعوها بلا نقاش، اسألوا الكمبوديين ماذا فعل بهم الخمير الحمر في أكبر مجزرة عرفها التاريخ المعاصر. كل هذه أمثلة حية على تطرف وإرهاب ولكن لا يلقى «مجد» التسمية بالإرهاب التي يبدو أنها باتت من نصيب فئة ودين محدد. ما حدث من يومين بولاية تكساس في حادثة ارتطام الطائرة بمبنى حكومي هو حادث إرهابي بامتياز قام به فرد لأسبابه، ومن الضروري التعامل معه على هذا الأساس حتى لا يقع الكل في مصيدة البعض.

[email protected]