شركة «إسرائيل ليمتد»

TT

طالما حيرني أمر كل هؤلاء اليهود الذين وفدوا من كل زوايا المعمورة إلى إسرائيل رغم اختلافهم في لغاتهم وتراثهم وأذواقهم وتقاليدهم وحتى ديانتهم. فأكثرهم لا يؤمنون بالله ولا يصدقون ما جاء في التوراة. بينهم الشيوعي الذي لا يؤمن بغير ما قاله ماركس وتروتسكي، والمتشدد الأرثوذكسي الذي لا يؤمن بغير ما ورد في التوراة والتلمود. فيهم العراقي الذي لا يطرب لغير أغاني أم كلثوم وعبد الوهاب ويموت على أكلة عمبة وصمون، والأشكنازي القادم من ألمانيا أو فرنسا الذي لا تهزه غير موسيقى برامز وبيتهوفن ويعتبر دقيقتين من أغاني أم كلثوم سببا أكيدا للصداع والهستيريا. وتجد بين نسائها العراقيةَ التي تعتزّ بعذريتها والأميركية التي تتباهى بإباحيتها. ما الذي يشد كل هؤلاء القوم جميعا ويعطيهم هذا الحماس العجيب لهذا الوطن الغريب عنهم، الخليط خلط المحشي وسكاكر الأعراس؟

انتهيت مؤخرا إلى هذه الفكرة: إسرائيل مجرد شركة كبيرة من الشركات العظمى متعددة الجنسيات التي تحكم العالم. المواطن الإسرائيلي واليهودي في الخارج مساهم من مساهميها. وكمساهم فيها ترتبط مصلحته بمصالحها. فهي تقوم بحمايته أينما يكون وتعطيه ملجأ جميلا ومريحا حين تتعذر حمايته. وتسهر على مصالحه وتقدم له سائر الخدمات الصحية والاجتماعية. وكما تقوم بحمايته عليه أن يقوم بحمايتها ويدفع لها جزءا من توفيراته كأقساط لأسهمه فيها.

إنها شركة «إسرائيل ليمتد»، وهي تشابه إلى حد كبير الجمعية الماسونية في رعاية وحماية المصالح المتبادلة لأعضائها. ومثلها، لا تراها تسألهم عن معتقداتهم أو انتماءاتهم. الفرق الأساسي هو أن أسهم «إسرائيل ليمتد» لا تُطرح في البورصة ولا يمكن شراؤها بسهولة. بل تنتقل بالإرث من الأم.

ما جرّني إلى هذه الفكرة هو التسعون سهما التي اشتريتها في شركة «غلاكسوسمث كلاين» قبل سنوات. فمنذ أن اشتريت هذه الأسهم أصبحت شؤون هذه الشركة من اهتماماتي الأولية. فأنا الآن لا أفتح صحيفة «الغارديان» حتى أبادر أولا بأول إلى صفحة الأسهم لأتأكد مما وصل إليه سعر السهم الواحد من «غلاكسوسمث كلاين». وأول ما أدقق في حسابي مع البنك هو مقدار ما حوّلَته لي الشركة من أرباح. الشعار السياسي الوحيد الذي أحمله في هذه الأيام هو حماية العقاقير والأسبرين البريطانية من منافسة العقاقير اليابانية الرخيصة. ورحت أتعصب وأثور كلما سمعت أحدا يتكلم عن تأميم الصناعات الصيدلانية وأنبري فورا للإشارة إلى كل الفشل الذي صاحب عمليات التأميم. ولو أن حربا عالمية اندلعت بين شركة «غلاكسو» ووزارة الصناعة البريطانية، لربما تخليت عن كل إيماني باللاعنف وحملت السلاح وقاتلت قتال الأبطال دفاعا عن «غلاكسوسمث كلاين».

على غرار «إسرائيل ليمتد»، لنا شركات: أوطاننا العربية التي عوم الاستعمار بعضها قبل الحرب العالمية الثانية، فتسلمناها منه وأسأنا إدارتها حتى أصبح أكثرها شركات خاسرة ومفلسة، هجرها عمالها وتخلى عنها مديروها. وها نحن الآن نجلس وننتظر متى يأتي «المفلّس» ليتسلمها ويشهر إفلاسها رسميا ويعرضها للبيع بسعر الكساد والخسارة لأول متقدم يغامر بابتياعها.