بنوا وورثوا

TT

شهدت في فرنسا تظاهرات كثيرة. ليس أسهل من دعوة الفرنسي إلى التظاهر. لأي سبب وفي أي وقت. لديه هواية غريبة ومتعة قصوى، هي اقتلاع البلاط القديم ورشق الزجاج الملون وإحراق النفائس على الأرصفة. وقد اضطهد الفرنسيون فان غوخ، الهولندي الفقير، الذي جاء يطلب الشمس وجمال الطبيعة في الجنوب. وبعد قليل تحول فان غوخ إلى ثروة من ثروات فرنسا. وحاولوا إحراق قصر فرساي وسرير ماري أنطوانيت، وأكبر ثروة للدولة الآن هي القصور. وأكبر عار في تاريخ البلاد هو المقصلة.

عادت مدينة بطرسبرغ (لينينغراد) أهم متحف في روسيا. وربما في العالم. وكل هذه الثروة الفنية العظيمة نجت من أيدي الثروة البلشفية. ولا تبلغ نسبة اللوحات في المرحلة السوفياتية شيئا. كل ما رُسم إنما رُسم في عصر التبذير. وحاول مجانين «الألوية الحمراء» تكبير متاحف إيطاليا. وحاول أن تتصور إيطاليا، لحظة واحدة، من دون ليوناردو دافنشي ورفاييل وليس فيها سوى المافيا وقتلة الألوية الحمراء. لم تتضاعف ثروة في الأرض مثل الفنون. لا البورصات ولا العقارات ولا التجارة. وأكثر التحف أصبح بلا ثمن. ومن لم يكُن لديه تاريخ فني، مثل الولايات المتحدة أو اليابان، دفع المليارات من أجل شراء مثل ذلك التاريخ. وما كنا نعتقد أنه جنون الفراعنة وهوسهم بالعودة من الحياة الأخرى، جعل من مصر اليوم أغنى دولة في الآثار في العالم.

تَأمّل جنرال ألماني جمال باريس المحتلة ورفض أوامر هتلر بتدميرها معرضا نفسه لخطر الإعدام بالرصاص، فقد كان الفوهرر يعدم رفاقه بالسهولة التي يقتل بها أعداءه. تماما مثل ستالين. وقد حاول السوفيات أن يجعلوا من موسكو مدينة تنافس بطرسبرغ. وبعد 70 عاما تكشفت العاصمة عن أعمال هندسية عادية أو مزعجة. وعادت بطرسبرغ إلى ألقها التاريخي الرائع، تنافس روما وباريس وفلورنسا. والأخيرة من جواهر المدن. منها انطلق عصر النهضة. ومن مدينة صغيرة تحولت إلى دولة تعمل أوروبا كلها بعملتها الذهبية، «الفلوران». منها دانتي وبترارك وبوكاشيو. إذا كان لأوروبا القديمة عاصمة للفكر والفنون، فليس سواها.