ولم يكبر الطفل في داخلي!

TT

لا يزال في كل واحد منا طفل صغير. وقد بكي كثيرا لأسباب عاطفية. وقد يغضب ويضرب ويكسر ما في يده أو على دماغ أي إنسان آخر. وانفلات الأعصاب هو بقايا طفولة..

أنا نموذج لذلك - فلا تضحك. وأنا طفل كان المدرس يقول لنا إن أبناء الحبشة ليسوا سودا وإنما وسط بين السواد والبياض. إنهم في لون الكاكاو. فرفعت إصبعي أسال: يعنى إيه كاكاو؟ فضحك كل زملائي في الفصل. وعذري أنني لم أذق الكاكاو. ومنذ ذلك الحين لا شربت الكاكاو ولا ذقت طعم الشوكولاتة.

وأنا تلميذ في امتحان الابتدائية جلست أبكي. وقال زملائي للمدرس الذي يراقبني إنني أول المدرسة. سألني المدرس: هل الامتحان صعب؟ فقلت: لا.. ولكنى لأنني لا أعرف الكولونيا. فقد كان السؤال: ارسم زجاجة كولونيا. سألني المدرس عن أنواع الزجاجات التي أعرفها. ثم طلب مني أن أرسم أية زجاجة وأكتب عليها كولونيا. ومنذ ذلك الحين وأنا أطلب في المناسبات أن تكون هديتي كولونيا. وورائي الآن أكثر من عشر زجاجات كولونيا. ورغم أنني أعرف السبب فإن الطفل في داخلي حريص على الكثير منها في متناول يدي!

ذهبت أتفرج على السيرك وبهرتني فتاة تركب الحصان وتصعد به سلما عاليا. ويقف الحصان شامخا رائعا ثم يلقي بنفسه في حوض من الماء. وتقفز الفتاة قبل أن تصل إلى الحوض. وفي تلك الليلة السوداء سقط الحصان ولم يقم ومات. واليوم لا أستطيع أن أرى هذه اللعبة. ولو حدث لرأيت دموعي كما كانت.. وبلا إرادة مني!

أمي ماتت من أربعين عاما وفي نفس اليوم صدر قرار تعييني رئيسا لتحرير مجلة (آخر ساعة)، فكنت أتلقي برقيات التهاني والتعازي معا. ولم يجفّ دمعي عليها. بل أكثر من ذلك أنني أذهب إلى قبرها كل يوم خميس. والله على ما أقول شهيد.. وأطلب إلى السائق والحارس أن يبعدا عن المقبرة. فأنا أنتحب عليها بصوت مرتفع.. كأنني ما زالت طفلا جاء موعد الرضاعة ولم أجد أمي!

ولا يُخجِلني ذلك. فإن كنت مريضا بأمي، فالمرض كالموت على رقاب العباد!