ذات يوم عالمي

TT

ما هي العولمة؟ كم هو قديم السؤال، ومكرر. لكن ليس هذا الصباح. هذا الصباح، تناولت في مطعم الفندق النيويوركي، فطورا مؤلفا من القهوة البرازيلية والصعتر اللبناني واللبنة اليونانية والخبز الفرنسي والزيت الإيطالي. وخلال الفطور قرأت «الشرق الأوسط» وتصفحت «التايمز» اللندنية و«الفيغارو» الفرنسية. وكنت على موعد مع الدكتور رضوان شابسيغ، الطبيب الدمشقي، والأستاذ في جامعة كولومبيا. وسرني أن سائق التاكسي الذي نقلني مصري، من دمياط، وكان يكلم أمه التي يحدثها كل يوم كي ترضى عليه.

جلست في غرفة الانتظار في عيادة الدكتور رضوان، بعدما رحبت بي سكرتيرة من جامايكا. تطلع إلي المنتظرون وتطلعت إليهم. سود، بيض، وآسيويون. ثم دخل رجل فلسطيني اللهجة وطلب من السكرتيرة موعدا لشقيقه. وبعد قليل عرفني الرجل الذي إلى جانبي، فهو من الكويت. ثم خرج الدكتور رضوان من مكتبه وأخذ يصافح مرضاه ومرضى الأطباء الآخرين، كل بمفرده، وكأنه طبيب عائلة لا طبيب اختصاص. وعندما حان دوري أبى إلا أن يتولى هو سحب عينات عامة لكل التحاليل. وقلت له إنني أشكو من آفة الشخير، فقال: لا يهم. ما دام كاتب عربي قد جاء إلينا فلن نتركه يضيع الوقت في مختبرات نيويورك، هذه مدينة مزدحمة.

عدت إلى الفندق، حيث يقف غالبا أربعة من موظفي «الكونسيرج» ربما الأكثر كفاءة ولطفا في العالم. وهم مكسيكي وفرنسية وأميركيان. جميعهم يتحدثون أربع لغات على الأقل. موظفو الاستقبال إسبان ولاتينيون وأفارقة. وعندما نزفت من كعب أذني أثناء الحلاقة كان ممرض الطوارئ، «عثمان» من مالي، يحدثني طوال الوقت عن متابعته للسياسات العربية، ولذلك شعرت بأنه أكثر متابعة مني.

ما هي العولمة؟ اكتشفت أن القميص الذي اشتريته مصنوع في الصين. والأقلام التي أفضلها وأحملها معي من بيروت مصنوعة في اليابان. والتلفزيون ياباني. وآلة الكمبيوتر يابانية مجمعة في ماليزيا. والسيارة ألمانية. وزجاجة المياه فرنسية. وربطة العنق إيطالية. والقطنيات سعودية من عند «القزاز». والجوارب صنع أميركي مكتوب عليها «من القطن المصري الفاخر».

ارتبط مصطلح «العولمة» بسيطرة الثقافة الأميركية، بمعناها السريع، كالطعام، أو الفج، كالأفلام، أو الفاشل، كالسياسة. لكنني كنت دائما أعتقد أن النسبة الأميركية في «العولمة» هي الأقل حجما، ولو أنها الأكثر وضوحا، أو انتقادا. هذا عالم متصل مثل سبحة واحدة، كل حبة فيها بلون. عالم تستورد فيه أميركا من كينيا، البن والرؤساء. وبدل ديغول يحكم فيه فرنسا ابن مهاجر مجري، كما حكمها منذ أكثر من قرنين ملازم من كورسيكا، ثم حولها إلى إمبراطورية.