فاطمة ومنصور.. ماذا بعد؟!

TT

هل انتهت معاناة فاطمة ومنصور بصدور قرار المحكمة الإدارية العليا بإلغاء حكم التفريق بينهما الذي صدر من محكمة الجوف بحجة عدم تكافؤ النسب لكي يعيشا - كما تقول الحكايات - في «التبات» و«النبات»، وينجبا صبيانا وبنات؟!

يبدو لي كأحد الدارسين لعلم النفس أن التجربة المريرة المتمثلة في شتات الأسرة والطفلين الصغيرين، اللذين سقتهما الدنيا مرارتها مبكرا على مدى أربع سنوات، ستترك تأثيراتها السلبية طويلا على نفوس أفراد هذه الأسرة، وقد تحتاج إلى الكثير من الدعم والمساندة الاجتماعية لاستعادة ثقتهم في الآخرين، واسترجاع أمنهم النفسي المسروق من ركاب الأيام، فليس سهلا أن تتخلص الأسرة من كوابيس ذاكرة أوغلت في القلق، والخوف، ومثل هذه التجربة القاسية لو مرت على أي فرد آخر لربما كان عرضة للانكسار، لكن رحمة الله، ثم صمود الزوجة فاطمة، أنقذا الأسرة من الهزيمة ومرارة الاستسلام.

اليوم تحتاج هذه الأسرة إلى إعادة تأهيل، فالزوج يحتاج إلى فرصة عمل شريف بعد أن قضى سنواته الأربع الماضية متفرغا ينسج خيوط الأمل لاستعادة أسرته من المجهول، والزوجة التي قضت سنوات بين السجن ودار الحماية تحتاج إلى من يعمق ثقتها بالحرية، وإحساسها بالأمان، وطفلهما الصغير الذي استهل عمره بجوار أمه في العزلة في حاجة اليوم إلى أن يتكيف مع معرفته الجديدة بأن خارج أسوار تلك الحجرات التي عاش فيها أبا، ولعبا، وحدائق، وحلوى، وبيوتا يغمرها الأمان، ومثله شقيقته التي جربت الشوق سنوات لحضن أم غاب عنها في جفوة الإنسان، وقسوة الأيام.. وبصورة عامة تحتاج هذه الأسرة التي امتحن صبرها طويلا أن يلتف الجميع حولها لتعزيز أمانها النفسي، وتكيفها الاجتماعي من جديد.

أكتب هذه السطور، وأنا أحمل كل التقدير والإكبار للقضاة الأجلاء في المحكمة الإدارية العليا الذين ألغوا بوعيهم الفقهي، وإحساسهم الإنساني، حكما لم يهدد استقرار فاطمة ومنصور وطفليهما فحسب، لكنه أوشك أن يهدد عاملا من أهم العوامل في منظومة مكتسباتنا الثقافية والحضارية والإنسانية، المتمثل في وحدة المجتمع، والمساواة بين أفراده، تلك المكتسبات التي ترعاها وتغذيها قيادة راشدة تضرب المثل جميلا في رعاية الوحدة وتعزيز المساواة.

ولهذه الأسرة صادق الدعاء بأن يعوضهم الله عن صبرهم واحتسابهم خيرا.

[email protected]