17 سنة سجنا للتحريض والتمويل

TT

في خطوة مهمة على درب محاربة الإرهاب، حكمت محكمة سعودية بسجن متهم بالتحريض على الإرهاب سبع سنوات، وحكمت أيضا بالسجن عشر سنوات على تمويل العمل الإرهابي.

أخيرا، صارت الرؤية واضحة للجميع بعد سنين من الجدل حول مسؤولية الجرائم التي ترتكب تحت مسميات دينية وسياسية، وصارت العقوبة ثقيلة. وصار يقبع في السجن اليوم أشخاص، إما لأنهم خطبوا وكتبوا ودعوا محرضين على الجهاد المزعوم، أو لأنهم تبرعوا من أجل تمويله.

وكانت العقوبة قبل ذلك تحصر في المنفذين، الإرهابيين مرتكبي الجرائم في الميدان مباشرة، في حين أن معظم عسكر «القاعدة» هم في حقيقة الأمر ضحية للمحرضين والممولين. وكانت بقية أفراد السلسلة في جريمة الإرهاب بمنأى عن المحاسبة.

منذ أكثر من عشر سنوات، كنا نقول ونوصي بقطع دابر التحريض وملاحقة جمعيات التمويل وغيرها من الواجهات، التي كانت تنشط في الساحة وتعمل صراحة تحت شعارات دينية وسياسية جهادية. وبعد وصول الحريق إلى الداخل في عام 2003 في انفجارات، استهدف بها الإرهابيون مجمعات سكنية، صارت الصورة إلى حد ما أوضح. ومع أن محاربة الإرهاب صار إعلانا رسميا، فإن الرؤية حول مَن الإرهابي بقيت مشوشة في أذهان الأكثرية، ورافق سقوط الكثير من الخلايا الكشف عن كثير من المعلومات التي أكدت ما نقول، فكثير من الدعوات والتبرعات لم تكن بريئة، بل منظمة وحلقة في سلسلة طويلة من جريمة الإرهاب، التي وإن تسترت تحت أردية دينية أو إنسانية، ورفعت دعوات وصورا صادقة، إلا أن مآربها كانت أبعد مما كان يبدو للمتابع العادي.

اليوم نستطيع أن نرى كيف نجحت الأجهزة الأمنية في التضييق على الإرهابيين، وتنظيف البلاد من الداخل، واضطرت عسكر الإرهاب إلى الهروب إلى الخارج، واضطر الممولون إلى العمل تحت الأرض بعد أن كانوا يجمعون تبرعات لتنظيماتهم السرية علانية باسم الأيتام والأرامل والفقراء والمنكوبين من المسلمين. وبعد هروب الجماعات الإرهابية إلى الخارج، ولجوء الممولين وجامعي الدعم المالي إلى العمل السري، استمر التحريض بكل أسف إلى اليوم. وتيرته خفت كثيرا، وصار المحرضون يلجأون إلى لغة أقل صراحة، وينتهزون ساعات الأزمات للتحريض، وهو لا يزال موجودا بكل أسف إلى يومنا هذا في وسائل الإعلام غير التقليدية.

ولأن الحكم بإيقاع العقوبة على أحد المحرضين وسجنه سبع سنوات مهمة، فإن الأهم تسليط الضوء عليها من أجل محاربة هذه الجريمة المنتشرة اليوم مع انتشار وسائل الإعلام غير المقننة، ومع تعدد المنابر. فملاحقة مئات من مواقع الإنترنت، ورصد منابر المساجد، ومراقبة ما يوزع من أشرطة ومطويات إعلامية تدعو إلى العنف وتشجع على القتال، أمر شبه مستحيل، إلا أن اعتبارها جريمة والإعلان عنها كاف في هذه المرحلة لردع المحرضين، الذين يظنون أن جريمة الإرهاب فقط في حمل المتفجرات والقتل المباشر.

لقد فقدت الدول الإسلامية عشرات آلاف من الشباب الذين صدقوا دعاية المحرضين، وانخرطوا في القتال في العراق وأفغانستان والصومال، غير مدركين طبيعة هذه التنظيمات وأهدافها، منساقين للعناوين الجهادية الرئيسية. هؤلاء ضحايا للدعاية، التي لو وقفت لانتهى الإرهاب الواسع الذي نراه اليوم، والذي على الرغم من هزيمته لم ينقطع، وآخره الذي قبض عليه في مدينة ينبع السعودية في الأسبوع الماضي، وهناك وراء الحدود السعودية العشرات إن لم يكونوا بالمئات وراء التلال اليمنية ينتظرون الفرصة لارتكاب جرائمهم.

[email protected]