إيران في مفترق طرق

TT

بعد ثمانية أشهر من انتخابات الثاني عشر من يونيو (حزيران) يبدو أن إيران وصلت إلى مفترق طرق جديد، وأعني بذلك نطاقا جديدا. لكن كيف يمكن دراسة هذه الحالة؟ وما هي التفاصيل المتعلقة بها؟ وما هي وجهة النظر التي يمكن من خلالها تفسير الأزمة الحالية في إيران؟ من الواضح أن لكل منا وجهة نظره الخاصة. فموقف الحكومة الإيرانية، على سبيل المثال، يقف على طرف نقيض من الحركة الخضراء. وكما يقول الحق في القرآن: «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ» (الإسراء: 84).

ويقول الرومي: إن بقرة قدمت فجأة إلى بغداد ومرت من طرف المدينة إلى طرفها الآخر. من بين كل مصادر البهجة والسعادة التي رأتها لم ترَ سوى قشر البطيخ (ديوان المثنوي، الجزء الرابع، الأبيات 2377 - 2378).

تعتقد الحكومة أنه لا يوجد أي نوع من المشكلات في إيران، وأن ما بين أربعين إلى خمسين ألف شخص هم الذين يقومون بالتظاهر ضد النظام، وأن غالبيتهم من البهائيين والموالين للنظام الملكي السابق، ومنظمة مجاهدين خلق.

ويزعم نجاد أن الديمقراطية في أوجها في إيران وأن الدولة مترابطة، ويعتقد أن بإمكانه حل الأزمة المالية العالمية. وقال، مؤخرا، إن بعض القادة (لكنه لم يسمِّ أحدا منهم) طلبوا منه أن يلعب دورا رئيسيا في حل الأزمة المالية العالمية.

بيد أن تلك قصة أخرى، لكني سأحاول في هذا المقال أن أعمل على تشريح وجهات النظر المتعددة داخل الحركة الخضراء، التي تضم الكثير من التوجهات من مسلمين واشتراكيين وعلمانيين، بل وحتى المناصرين للنظام الملكي السابق، وجميعهم يعتقدون أنهم ينتمون إلى الحركة الخضراء. ويبدو لي أن بإمكاننا فصل كل تلك التوجهات في الحركة الخضراء إلى ثلاث فئات، لكل منها أهدافها ومطالبها. وبعبارة أخرى فإن مستقبل إيران يعتمد على وجهات النظر تلك.

أولا: هناك بعض المجموعات التي تضم بين صفوفها المناصرين للنظام الملكي السابق، خصوصا ابن الشاه ومنظمة مجاهدين خلق التي تتحدث عن جمهورية إيران. يعبرون عن رغبتهم في تغيير النظام الإسلامي إلى نظام وطني (جمهوري إيراني).

وقد بذلت تلك المجموعات قصارى جهدها لتغيير النظام في إيران منذ بداية الثورة وحتى الآن، يدعمهم في ذلك بعض الجماعات الماركسية، ويصرون في شعاراتهم على نقطتين: الجمهورية الإيرانية ولا لغزة ولا للبنان، لكن حياتي فداء لإيران. ويمكننا القول إنهم يروجون بصورة مباشرة لتغيير النظام في إيران. ويمثلون جناح التطرف في الحركة الخضراء. ومن ناحية أخرى يتطلعون إلى مساعدة الولايات المتحدة في ذلك، ولذا أعتقد أنهم أقرب إلى اللون الأحمر منهم إلى اللون الأخضر.

ثانيا: هناك التوجه الذي يمثله مير حسين موسوي كقائد للحركة الخضراء، تلاه في ذلك مهدي كروبي وخاتمي. وجميعهم يؤمنون بالدستور الإيراني ويقبلون بولاية الفقيه، لكنهم يؤمنون بالحركة الإصلاحية. فهم يعارضون استبداد الدولة الدينية، ويرغبون في إصلاح النظام. وأحيانا ما يقولون إن الدستور هو أقل المطالب الإيرانية. وقال موسوي إن القانون الدستوري ليس وحيا قرآنيا، بل قابل للتعديل ومن ثم يمكن إصلاحه.

من الواضح أن هؤلاء القادة الثلاثة - موسوي وكروبي وخاتمي - يرغبون في تنظيم مظاهرات داخل الإطار الحكومي. لكن الحكومة من جانبها لم تلقِ بالا لهم، فعلى سبيل المثال دائما ما تصفهم صحيفة «كياني» التابعة لخامنئي وصحيفة «جافان» التابعة للحرس الثوري بأنهم عملاء أميركا. ونشرت صحيفة «جافا» صورة كروبي وعلى يديه نجمة داوود، رمز الصهيونية.

ثالثا: هناك الكثير من التوجهات الأخرى ممن يؤمنون بالجمهورية الإسلامية في إيران ويحترمون القانون الدستوري، لكنهم يرفضون مبدأ ولاية الفقيه ويركزون في شعاراتهم على المذكرة الأولى للقانون الدستوري التي وافق عليها آية الله الخميني وآيات الله الكبرى في قم. بيد أنه في أعقاب اجتماع الخبراء في مجلس الخبراء أضافوا مبدأ ولاية الفقيه في عام 1980. وقد غير ذلك في صميم المذكرة. وتم تطوير المذكرة حول حق الجمهورية، وبات الآن مركز القانون الدستوري هو ولاية الفقيه، الذي يجمع كل الأمور في قبضته - الجيش والحرس الثوري والبرلمان والقضاء والتليفزيون والإذاعة الوطنية وكل الدعائم الرئيسية في الدولة - وللشيعة دعاء شهير يدعى كميل، علّمه الإمام علي لكميل، يقول فيه لله: «ولا يمكن الفرار من حكومتك».

ونتيجة لنظرية حكم الإمام وشخصية وسلوك المرشد الأعلى يعتقد الكثير من المفكرين والكتاب والسياسيين أنه لا يوجد سبيل لتحقيق ديمقراطية حقة في إيران طالما وجد الفقيه.

لا شك في أن الحكومة الإيرانية والحرس الثوري قد فشلا في قمع الحركة الخضراء، التي تضاعفت قوتها عما كانت عليه قبل ثمانية أشهر، ومن ثم لجأوا إلى فرض مناخ عسكري، لكنهم فشلوا في ذلك حتى الآن. إن لدينا مثلا يقول: «من المستحيل الجلوس على رأس الحربة».