العاصفة تحمل الدليل على الاحتباس الحراري

TT

نحن الأمة التي صعدت بالإنسان إلى سطح القمر، لذا لا يمكن أن نكون أغبياء، إننا فقط نتظاهر بذلك. الدليل على ذلك أننا لم نتعامل بجدية مع آراء المشككين في أن العاصفة الثلجية القوية، التي ضرب المناطق الشمالية الشرقية من الولايات المتحدة خلال الأسابيع الأخيرة، تحمل دليلا جديدا، أو حتى برهانا، على نظرية التغير المناخي.

سيكون ذلك غباء بالغا، بيد أن بعض المسؤولين المنتخبين في واشنطن يؤمنون، على نحو واضح، بتلك الشكوك. فجيم إينهوف، السيناتور الديمقراطي عن ولاية أوكلاهوما، بنى لعائلته كوخا أشبه بأكواخ الإسكيمو بالقرب إلى مبنى الكونغرس، وسماه «منزل آل غور الجديد». أما السيناتور جيم ديمنت، الديمقراطي عن ولاية ساوث كارولينا، فتباهى على تويتر بأن الثلوج ستستمر في الهطول حتى يستسلم غور. ويناقش المحللون، على نحو جاد، ما إذا كانت هذه العواصف الثلجية غير المسبوقة، التي ضربت البلاد، دليلا على فشل التشريع الشامل للتعامل مع سياسة الطاقة والتغير المناخي اللذين يأتيان كأحد أهم الأولويات بالنسبة إلى الرئيس أوباما.

كانت حالة الشلل التام التي أصابت واشنطن نتيجة هذه العاصفة الثلجية واضحة للعيان، فقبل أن أتمكن من الحصول على الجريدة صباح يوم الخميس الماضي، كان عليّ أن أرتدي لباسا كمتسلقي الجبال، لأن الباحة الأمامية لمنزلي كانت أشبه بنهر جليدي. أما انتقالي إلى مكتبي الذي يستغرق في العادة 20 دقيقة، فقد استغرق ساعة خلال محاولتي شق طريقي عبر الشوارع التي امتلأت حاراتها بكتل الثلوج الضخمة.

لكن ذلك لا يقارن بصبيحة يوم الثلاثاء، عندما استيقظت لأجد أن ماكينة إزالة الثلوج قد سدت الطريق أمام مدرج سيارتي بمقدار قدمين من الثلوج. كان لديّ موعد في الصباح الباكر، لذا اضطررت إلى أن أزيح الثلوج أمام السيارة قبل تناولي القهوة. وأخشى أن أول ما سمعه جيراني في ذلك الصباح بعض العبارات غير الودودة على الإطلاق.

بيد أنه على الرغم من أن هذه التجربة غير السعيدة، فإنها لم تصبني بحالة من الجنون تدفعني إلى قبول ذلك الشعور بأن عاصفة ثلجية أو عاصفتين، في مدينة تهطل عليها الثلوج كل عام، يمكن أن ترفض الأدلة العلمية كلها على التغير المناخي.

كما أنه لم يخطر ببالي أن عواصفنا الثلجية البالغة الضخامة أمر مزعج على الرغم من أنها ربما تكون كذلك، بحيث يمكن أن تتغير المناقشة السياسية بشأن تشريع تغير المناخ، فسيكون ذلك أمرا أحمق. وكما أشار ستيفن كولبرت، المذيع الكوميدي، إلى أن الأمر سيكون خلال الليل ونحن نرى الظلام وكأن الشمس لم تعد لتشرق من جديد.

وعلى الرغم من أن إينهوف وديمنت يدركان تماما أن الأرض ضخمة جدا، لتكون باردة هنا وحارة في مكان آخر في الوقت ذاته، وتلك هي الفكرة الرئيسية، وحتى إن كانت باردة على نحو غير عادي في الولايات المتحدة القارية، فأميركا مع ذلك تمثل 2% من مساحة العالم.

من يرغبون في استخدام شتائنا القارس لرفض نظرية الاحتباس الحراري للأرض يجب عليهم أن يلاحظوا أن الأدلة دائما تأتي من الاتجاهات كلها. فقبل الألعاب الشتوية في فانكوفر، قامت أطقم العمل باستخدام الجرافات لوضع الثلوج على مضامير التزلج، فقد كان الشتاء دافئا على غير المعتاد. وتشير البيانات الأولية الصادرة عن علماء المناخ في يناير (كانون الثاني) بشأن درجات حرارة الأرض، إلى أنها كانت أعلى من معدلاتها. كما يشير المشاركون في مهرجان ريو دي جانيرو السنوي، الذي انتهى يوم الثلاثاء، إلى الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، حيث تجاوزت درجات الحرارة 100 درجة مئوية. ولحسن الحظ، فقد جرت العادة في هذا المهرجان على التخفف من الملابس.

سادت الأشهر القليلة حالة أدت إلى تواري علماء المناخ، حتى الشجعان. فبداية، كانت الرسائل الإلكترونية التي تم الكشف عنها، والتي أظهرت تلاعب علماء المناخ، ربما رغبة في تجاهل البيانات التي لا تطابق نظرياتهم. ثم تبين بعد ذلك أن وثيقة رسمية للأمم المتحدة بالغت في معدلات ذوبان الجليد في الهيمالايا. ومع ظهور الكثير من الأمثلة الأخرى على عدم الدقة في البيانات، كان الطقس أكثر سوءا. وتدافع المنتقدون شاعرين بأن اللحظة قد حانت لإزهاق أي جهد دولي جاد للتعامل مع الأثر البشري بشأن درجة حرارة الأرض.

لكن هنا ما لا تستطيع تلك الأشهر القليلة تغييره، فبعد عقود من الدراسة، توصل العلماء حول العالم إلى أن ارتفاع درجة حرارة الأرض، وأن البشر مسؤولون عن هذه الكارثة. وقد سجلت أعلى معدلات لارتفاع درجات الحرارة خلال العقد الماضي. ومن بين التأثيرات المتوقعة للتغير المناخي زيادة نسبة الأمطار والثلوج وهبوب العواصف الضخمة، وما شهدناه هذا الشتاء يميل إلى إثبات الإجماع العلمي بأن ارتفاع درجة حرارة الأرض حقيقة مؤكدة، لا دحضه.

لكن السؤال الذي أرغب من علماء المناخ الإجابة عنه: متى سيذوب أمام منزل روبنسون؟!

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»