اطلبي لي المستر برونسكي

TT

كان الدكتور كلوفيس مقصود من مؤسسي الحزب التقدمي الاشتراكي مع الزعيم كمال جنبلاط. وعمل سفيرا للجامعة العربية لدى الهند خلال ازدهار عدم الانحياز، ثم سفيرا لها في الأمم المتحدة وواشنطن خلال مرحلة حرب 1973. كما عمل كاتبا في «الأهرام» لسنوات طويلة، ثم في «النهار» حيث لا يزال، إضافة إلى عمله كأستاذ في الجامعة الأميركية في واشنطن.

عرف الرجل خلال هذه السنين شخصيات وزعامات كثيرة، وارتبط بصداقات كثيرة، بينها نهرو وأنديرا غاندي. وفي منزله في واشنطن التقيت رجالا كثيرين، بينهم السيناتور الأخير، وليم فولبرايت، الذي قال لي يومها: «في مجلس الشيوخ مائة عضو، جميعهم مؤيدون لإسرائيل إلا واحدا». والتقيت أيضا هنري كيسنجر، ومرشح الرئاسة السيناتور جورج ماكغفرن، الذي لا تزال تربطنا به مودة الكبار الباحثين عن العدالة والإنصاف.

يعكف الدكتور مقصود الآن على وضع مذكراته عن نصف قرن سياسي حافل. وهو يقول إن القدر لعب الدور الأكبر في ما فعل. وكانت المصادفة تخدمه على جميع المفترقات. ويروي أنه كان يعرف في واشنطن صحافيا مغمورا يدعى برونسكي. وقال لسكرتيرته ناديا أبي رزق: اطلبي لي المستر برونسكي.

فذهبت إلى مكتبها، وبعد قليل رن هاتفه وقالت له ناديا: المستر بريجنسكي على الخط! ومن الطرف الآخر سمع مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض يقول: «أنا سعيد أنك طلبتني. ما هو برنامجك اليوم؟ هل تستطيع المجيء إلى البيت الأبيض في الرابعة بعد الظهر؟».

كان سفير الجامعة يفكر منذ فترة في أن يطلب موعدا من زبغنيو بريجنسكي ولا يدري كيف. أو بالأحرى يخشى أن يرفض مستشار جيمي كارتر الطلب، ويتسبب ذلك في إحراجه وإحراج الجامعة معا. وها هو يقول لسكرتيرته أن تطلب صحافيا مغمورا فيصيب موعدا خاصا في اليوم نفسه.

هكذا تعرف إلى نهرو وأنديرا غاندي بعد أيام قليلة من وصوله إلى نيودلهي. مجرد مصادفة لعب فيها حسن الحظ الدور الأول. وكانت بداية علاقة لم يعرفها على الأرجح أي سفير عربي في العاصمة الهندية. وخلال عمله هناك تعرف أيضا إلى عدد من كبار كتاب بريطانيا الذين كانوا لا يزالون يأتون إلى الهند، المستعمرة السابقة التي يشعرون حيالها بحنين عميق وعقدة كبيرة بالذنب.