درس في الواقعية السياسية

TT

لليسار الأميركي مصلحة سياسية في إبراز مظاهر التطابق بين الانتقادات الواسعة لاقتراح توسيع الحكومة وأسوأ العناصر المكونة لحركة حفل الشاي، الذين يشككون في أهلية الرئيس أوباما للرئاسة، وجمعية جون بيرش اليمينية التي تؤيد الحكومة المحدودة، وحركة الميليشيات، والحركات المناهضة للهجرة، والعنصريين، وواضعي نظريات المؤامرة، ومساعدي رون بول وتوم تانكريدو وليندون لاروش.

وهو ما يتواءم مع ميل بعض أعضاء اليسار لنبذ قطاع واسع من المواطنين باعتبارهم سذّجا وخطرين. ولكنه لا يناسب الـ 60 في المائة من المستقلين في نيوجيرسي ولا الـ 66 في المائة من المستقلين في فيرجينيا ولا الـ 73 في المائة من المستقلين في ماساتشوستس، الذين صوتوا لصالح الجمهوريين في الانتخابات الأخيرة. ولا يناسب أيضا سارة بالين التي تسبح في تيار المحافظين رغم شعبيتها. بل إنه لا يناسب كذلك نتائج استطلاعات آراء الناشطين والمتعاطفين مع احتجاجات حفلات الشاي، الذين يمثلون إلى حد كبير نطاقا نموذجيا من الآراء المحافظة. وبصفة عامة، تبدو حركة حفلات الشاي وكأنها تكثيف للحراك المحافظ، وليس انتصارا للبارانويا السياسية. لكن الذين يشككون في أهلية الرئيس أوباما للرئاسة وأنصار الحكومة المحدودة (من جمعية جون بيرش)، والميليشيات والمناهضين للهجرة، والعنصريين وواضعي نظريات المؤامرة، موجودون بالفعل. يأمل البعض، الذين انتظروا لعقود في حالة من ظلمة يستحقونها، أن يلتصقوا بأي حركة شعبية مثل سمك الريمورا. لكنّ هناك آخرين، مستجدين على المشاركة السياسية، اكتشفوا أن البارانويا والغضب يسببان الإثارة. فهم يشاهدون غضب غلين بيك من تهديد سول ألينسكي المنتشر في كل مكان، ويقرأون الإغراق في الذاتية، واحتقار الضعفاء في روايات أين راند، وينصتون إلى هجوم رون بول على المتآمرين بالاحتياطي الفيدرالي، وعلى نحو مفاجئ ينتظم استياؤهم في نظرية. ومثل تلك النظريات في السياسة يمكن أن تصبح مثل المخدرات، تسبب الإدمان والنشوة والغياب عن الواقع. وفي وقت يسود فيه التيه الاجتماعي، تجد نظريات المؤامرة صداها، حيث تقدم تلك النظريات سردا لعالم يبدو عشوائيا، وتعد بأن مفتاحا واحدا فقط يستطيع فتح جميع الأبواب.

وفي النهاية، يجب نبذ تلك النظريات أو أنها ستفسد كافة الحركات السياسية، حيث إنها سوف تفعل كما يفعل مقدار صغير من الصبغة الحمراء، عندما يحول وعاء كامل من المياه إلى اللون الوردي. وهذا بالضبط ما فعله ويليام إف بوكلي في خمسينات وستينات القرن الماضي، حيث رفض قبول راند وروبرت ويلش من جمعية جون بيرش، مما خلق حركة محافظة شرعية يمكنها اختيار مرشحين مثل رونالد ريغان.

مما لا شك فيه أن إصلاح الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية ضرورة مالية، وإلغاء الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية نوع من القسوة. كما أن المهاجرين ليسوا بكتيريا تسبب المرض، بل إنهم مصدر للقيم والحيوية. وإن لم يكونوا مصدرا للأصوات للجمهوريين في المستقبل، فسيصبح مصير الجمهوريين غامضا بلا شك.

تواجه كل حركة سياسية تهديدا من جانب الأشخاص غير الصبورين وغير المسؤولين. فقد كان وليام لويد غاريسون يدعو لانفصال الشمال لتجنب تفشي وباء العبودية، فيما عمل لينكولن على حماية البلاد. ووجد مالكوم إكس في البداية أن التقليد الأميركي فاسد من الأساس، فيما وجد القس مارتن لوثر كينغ الابن موارد كبرى للإصلاح من داخل ذلك التقليد. إن أبطال أميركا هم أبطال الوحدة.

لقد صمم نظامنا السياسي كي يحتمل التباينات الشديدة، وهو ليس مصمما للشعور بالازدراء الذي يستحيل معالجته. حيث إن ذلك الازدراء يفسد روابط المواطنة ويقوض فكرة الوطنية. كان رونالد ريغان قد قال متسائلا: «كيف يمكننا أن نحب بلادنا ولا نحب أبناءها؟»

*خدمة «واشنطن بوست»