لماذا خسر التطرف؟

TT

حمل غلاف العدد الأخير لمجلة «نيوزويك» الأميركية عنوانا مثيرا يطرح تساؤلات كثيرة هو: كيف خسر بن لادن صراع الحضارات، وفكرة المقال المطول الذي كتبه فريد زكريا، هو أن هجمات سبتمبر (أيلول) في 2001 كان تحمل في طياتها خطرا أعظم هو تفجير شكل دموي من صراع الحضارات إذا استطاعت «القاعدة» اجتذاب مليار ونصف المليار مسلم إلى أفكارها، لكن الآن وبعد تقريبا 9 سنوات ثبت أن هذا الفكر المتطرف لم يجتذب سوى أعداد محدودة، وظل غالبية المسلمين معتدلين في أفكارهم وينبذون العنف والإرهاب، ويؤيدون تواصل الحضارات وليس صراعها.

وقد بُذلت الكثير من الجهود، خاصة في الدول الإسلامية، لمحاربة الفكر المتطرف وجماعات الإرهاب سواء بأساليب أمنية ضد المجموعات التي ترفع السلاح أو تحرض على العنف، أو بالجهد الفكري والدعائي لهزيمة مثل هذه الأفكار، وإبعادها عن التيار الرئيسي للإسلام المعتدل.

وقد تكون هنا الكثير من الأخطاء التي ارتكبت في سياسات الدول، أو إعلان الحرب على الإرهاب والخلط الذي حدث بينه وبين الإسلام، بما أعطى في بعض الأحيان المادة الدعائية والتحريضية اللازمة لجماعات التطرف، ولكن كان هناك دائما خط الأمان الذي سيظل دائما يهزم مثل هذه الجماعات التي تطل بين فترة وأخرى في حقب التاريخ، ويتمثل هذا الخط في أن الطبيعة الإنسانية عادة ما تميل إلى العقل والحوار، وتتطلع إلى ما هو مشترك أكثر مما هو خلافي من أجل البناء للمستقبل، ويشترك في ذلك المسلمون مع أتباع الديانات والثقافات الأخرى.

ولا ينفي ذلك أن جماعات التطرف ما زالت نشطة وأنها تمثل تهديدا إرهابيا خطيرا، ويمكن أن تتسبب في أحداث مأساوية، وآخر مثال على ذلك الشاب النيجيري الذي حاول تفجير الطائرة الأميركية، وفشل، ليس بسبب اليقظة الأمنية، ولكن بسبب شجاعة الركاب وتصرفهم السريع، وهو دليل على أن الناس العاديين ملوا هذا المسلسل الإرهابي الذي يعتمد على التخويف، وأصبح لديهم الاستعداد للرد عليه.

ولا تزال «القاعدة» والجماعات التي تتبع فكرها تحاول أن تنشط في مناطق اضطراب لخلق اضطراب أكبر تستطيع من خلاله أن تثبت فيها موطئ قدم لها سواء في أفغانستان أو باكستان أو اليمن، لكن الثابت أنها في النهاية ظلت محصورة في إطار مجموعات ضيقة من الأفراد يتآمرون في غرف مظلمة لتفجير قنبلة هنا أو هناك، أو نسف طائرة، وجنودهم في أغلب الحالات شبان لديهم مشاكلهم النفسية أو نقاط الضعف التي يجري استغلالها.

لكن لم ينجح هذا الفكر المتطرف في أن يجتذب أكثر من حفنة أشخاص في مجموعات ضيقة، وهو لن ينجح مستقبلا لسبب بسيط هو أنه لا فكر لديهم سوى العنف والدم، ولهذا السبب نرى الكثير من المراجعات من تيارات العنف التي استخدمت الدين سابقا تدين هذا الفكر، كما نرى أن الكثير من الدعاة الذين تعاطفوا سابقا ينأون بأنفسهم عن هذا التيار الدموي بعد أن تبين لهم أن هؤلاء ليس لديهم شيء سوى الخراب.

هل يعني هذا نهاية معركة كسب العقول، لتجنب صراع حضارات؟ بالطبع لا.. وهذا ما يدعو إلى تعاون دولي أكثر فعالية في الحوار وتفهم الاختلاف وتعددية الثقافات والحضارات والتأسيس على ما هو مشترك.