«جائزة دبي للصحافة».. الطفولة تناديكم

TT

صُدمت للغاية عندما اطلعت على ما حدث من تغييرات في «جائزة دبي للصحافة» في دورتها التاسعة لهذا العام، التي يشرف عليها نادي دبي للصحافة..

فبعد 8 سنوات ناجحة من عمر هذه الجائزة.. يطالها التغيير.. ليتم دمج «جائزة صحافة الطفل» مع ثلاث فئات أخرى هي «الصحية»، و«البيئية»، و«تكنولوجيا المعلومات»، لتصبح في فئة واحدة هي فئة «الصحافة التخصصية».

هل هو دمج؟ أم إلغاء في الحقيقة؟!..

ومنذ متى كانت تعامل «صحافة الطفل» على أنها صحافة تخصصية؟! أو أن يتم وضعها في فئة واحدة مع جوائز أخرى غريبة عنها؟!..

والسؤال الأهم هو: كيف سيتم تقييم المشاركات وترشيح الفائزين في ظل هذا الاختلاف الجذري بين هذه «التخصصات»؟!

منذ متابعاتي الأولى لـ«جائزة دبي لصحافة الطفل» شعرت أنها مهزوزة وغير مستقرة؛ ففي الوقت الذي تنص فيه قوانين جميع بنود الجائزة على أنها تمنح لأفضل عمل صحافي في مجال الجائزة تم نشره في مطبوعة عربية في الفترة المحددة، فإن تطبيقات «جائزة الطفل» كانت في كل سنة غير واضحة ويشوبها التوتر على عكس الجوائز الأخرى. ويبدو أن سبب ذلك هو عدم توفر خبراء في مجال الطفل لدى القائمين على «جائزة دبي للصحافة» ليتم تقويم مسار هذه الجائزة وتحكيم الأعمال بشكل سليم.

في ما يبدو، كان من السهل مثلا على «جائزة دبي للصحافة» أن يتم تحكيم «أفضل تحقيق صحافي» نشر خلال العام، أو «أفضل حوار صحافي»، أو «أفضل موضوع عن البيئة»، وذلك لتوافر الخبراء لديها، وحتى عندما كانت تعلن أسماء الفائزين كان تعليل فوزهم واضحا وجليا، أما في «جائزة صحافة الطفل»، فإن الموضوع مختلف. على الرغم من أن «جائزة صحافة الطفل» كانت تنص على أنها تمنح لأفضل عمل منشور، فإنها منحت عدة مرات لشخصيات كان لها تأثير في عالم صحافة الطفل.. ومع تقديرنا الشديد لهؤلاء الرواد واعترافنا بفضلهم، فإن ذلك كان يخالف قانون الجائزة.. أما نحن، العاملون في مجال «صحافة الطفل»، فقد قرأنا ما يحدث بشكل آخر: لم يجد «نادي دبي للصحافة» من يرشده إلى أفضل الأعمال المنشورة في عالم صحافة الطفل فآثر منح الجائزة لشخصية رائدة في هذا المجال.. والسلام!

من ناحية أخرى، لم تقم لجنة الجائزة بالتفريق بين ما ينشر للطفل في مجلات الأطفا، وبين ما ينشر عن الطفل في صحافة الكبار، وشتان بين المجالين؛ فالأول صحافة أطفال تقدم للأطفال، وهو فن فريد، والآخر يشمل كل موضوع موجه للوالدين أو التربويين أو حتى عموم المجتمع عن قضايا الطفل، سواء كانت صحية أو أخلاقية أو تربوية أو غيرها. ورأينا عدم الوضوح هذا حينما منحت الجائزة لصحافيين كتبوا مواضيع عامة عن الطفل في الجرائد، مما ضيع معنى الجائزة، وأدخل من ليس من أهل التخصص في دائرتها.

بالإضافة إلى ذلك، لوحظ أن السيرة الذاتية للمتقدم للجائزة لها دور في حصوله على الجائزة؛ فيكفي أن يكون المتقدم للجائزة له اسم كبير وعريق وسيرة ذاتية طويلة وأعمال كثيرة منشورة ليفوز بالجائزة، حتى ولو كانت أعمال غيره - من أصحاب الخبرة الأقل - أكثر تميزا وإبداعا. وهذا يؤكد عدم وجود خبراء في صحافة الطفل لدى «جائزة دبي للصحافة»، مما دفعهم لاختيار «الأكبر والأكثر خبرة» ليكون اختيارهم أقرب للصواب في حساباتهم.

ترى هل ستنجح «جائزة دبي للصحافة» في إعطاء الطفولة حقها بعد دمجها في ثلاث فئات أخرى مختلفة اختلافا جذريا عنها تحت بند واحد؟

نحن نعلم أن تقييم أي جائزة يكون بناء على أسس واضحة، وبالتالي لا بد من أن تكون المشاركات متقاربة من عدة جوانب. فيا ترى هل يمكن لأحد أن يجد حلا لجائزة تجمع بين مواضيع صحافية صحية وبيئية وتقنية وقصص مصورة للأطفال في الوقت نفسه؟!

ترى كيف سيتم التفاضل فيما بينها؟ لجودة العنوان الصحافي؟ لجرأة التحقيق؟ لروعة الرسومات مثلا؟ لتوصيل معان تربوية عميقة؟! إبراز تقنيات جديدة؟ للسبق الصحافي؟!

هل ترون كيف ستكون المحددات صعبة؟!

إن سألتموني ماذا ستفعل لجنة الجائزة، فأعتقد أنها ستقوم بمنح الجائزة لكل قسم في كل دورة، بشكل غير معلن طبعا. وبالتالي فإن نصيب «صحافة الطفل» منها سيكون مرة كل أربع سنوات.

وإن كانت «جائزة دبي للصحافة» قد فشلت في تكوين فريق خبراء في مجال «جائزة صحافة الطفل» في ما مضى، فإنه من المؤكد أن لجنة الجائزة «التخصصية» الجديدة لن تكون كذلك، وإن تم وضع شخص متخصص في لجنة الجائزة فسيكون هو الحلقة الأضعف لتقارب التخصصات الثلاثة الأخرى بعضها من بعض.

بعد معاناة طويلة لرواد صحافة الطفل من عدم اعتراف المجتمعات الثقافية بهم وبدورهم الريادي في تقديم منتجات فريدة للطفولة، احتفلوا كثيرا بإعلان «جائزة دبي لصحافة الطفل» التي دفعت فيهم الروح من جديد، ليزيدوا من عطائهم وإبداعهم، حيث إنها الجائزة الوحيدة في العالم العربي التي تدعم صحافة ومجلات الأطفال.

والآن، وبدمج هذه الجائزة، واختفاء اسم الطفولة من قائمة الجوائز الصحافية، تلقى العاملون في صحافة الطفل ضربة نفسية عميقة، لاختفاء المحارب الوحيد الذي كان يدافع عن وجودهم.. وعن كيانهم.

وفي الوقت الذي كانوا يتطلعون فيه إلى تشعبات أكبر لـ«جائزة صحافة الطفل»، وذلك لاتساع هذا المجال، ليشمل صحافة الأطفال الورقية، وصحافة الأطفال الإلكترونية، وصحافة الأطفال التي ينتجها الموهوبون من الأطفال أنفسهم؛ فوجئوا بإعلان «الإقصاء» عن «جائزة دبي للصحافة».

ترى.. ألا يعلم القائمون على «جائزة دبي للصحافة» مدى أهمية الدور الذي كانوا يمارسونه في دعم صحافة الطفولة في العالم العربي؟ ألا يعلمون أنهم قدموا لأطفال العالم العربي هدية لن ينساها التاريخ، ثم سحبوها بكل بساطة؟!

ترى.. هل كتب علينا أن نعود تسع سنوات للماضي، لنغني من جديد: مَن لصحافة الطفولة؟!

* رئيس تحرير مجلة باسم للأطفال