اليورو.. نار تحت الرماد

TT

تواجه دول الاتحاد الأوروبي، وتحديدا دول ما يسمى بمنطقة اليورو، منذ أسابيع دراما إغريقية هزت العملة الأوروبية وجعلت قيمتها تتراجع أمام الدولار الأميركي، كما تسببت في إثارة المخاوف من احتمال أزمة مالية أوروبية. وزاد من خطورة الوضع أن الأزمة المالية والاقتصادية اليونانية سلطت الضوء على أزمات أخرى تواجه اقتصاديات إسبانيا والبرتغال وربما أيضا إيطاليا وأيرلندا.

وتجيء هذه الأزمة في وقت يدور فيه نقاش حول العالم وفي دول الخليج خصوصا حول مسألة الارتباط بالدولار الأميركي، وترتفع فيه أصوات تطالب بالتوجه نحو عملات أخرى مثل اليورو. وستكون لنتائج الاختبار الذي يواجهه اليورو في ظل الأزمة المالية اليونانية وكيفية تجاوزها، آثار مباشرة في النقاش الدائر حول أي من العملات الدولية يتجه الناس إليها مستقبلا بعدما تعرضت سمعة الدولار للاهتزاز بسبب الأزمة المالية والاقتصادية، والعجز الهائل في الميزانية الأميركية، والالتزامات والضغوط الناجمة عن العمليات العسكرية الأميركية في الخارج من العراق إلى أفغانستان، وانعكاساتها على الاقتصاد الأميركي، وبروز الصين والهند كمنافسين اقتصاديين رئيسيين.

وهناك مخاوف حقيقية في الأسواق المالية اليوم من احتمال تحول الأزمة اليونانية إلى أزمة أكبر تهز أوروبا واليورو وتنعكس على الاقتصاد العالمي الذي لا يزال يحبو في طريق التعافي من آثار الأزمة المالية والاقتصادية. ورغم أن قادة دول منطقة اليورو يسعون جاهدين إلى احتواء أزمة اليونان ومنع انتقالها إلى دول أخرى، خصوصا إسبانيا والبرتغال اللتين تواجهان مشكلات شبيهة باليونان، إلا أن هناك معارضة شعبية في بعض الدول، خصوصا ألمانيا، لتقديم أي منح مالية لانتشال اليونان من أزمتها على أساس أن ذلك يمكن أن يفتح الباب لمطالبة دول أوروبية أخرى بمساعدات مالية عاجلة لمواجهة أزماتها. فقد أشار استطلاع للرأي نشر الأسبوع الماضي إلى أن نسبة 71 في المائة من الألمان يعارضون تقديم هبات مالية لليونان للخروج من أزمتها، إذ يرى الناخبون الألمان أن بلدهم لا يزال في طور التعافي من آثار الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، وأن تقديم مساعدات مالية لدول «الجنوب الأوروبي» سيعرض اقتصاد ألمانيا إلى نكسة تعطل تعافيه.

وبين محاولات طمأنة الأسواق العالمية إزاء وضع اليورو، وعدم إغضاب شعوبهم، حاول القادة الأوروبيون من خلال صيغة فضفاضة بث رسالة مفادها أنهم على استعداد لاتخاذ «إجراءات حاسمة ومنسقة» لحماية الاستقرار المالي في منطقة اليورو إذا اقتضت الحاجة. لكن هذه الصيغة لم تقنع أسواق المال، فشهد اليورو المزيد من التراجع أمام العملات الرئيسية الأخرى خصوصا الدولار، وبقيت الدراما اليونانية تتفاعل، مما جعل رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو يخرج بتصريحات غاضبة انتقد فيها ما وصفه بعدم التنسيق الأوروبي، قائلا إن بلده أصبح مثل حقل التجارب في معركة بين أوروبا وأسواق المال العالمية.

والواقع أن اليونان قامت بممارسات أضعفت موقفها وهزت مصداقيتها، إذ ظلت تقدم على مدى عشر سنوات تقريبا أرقاما وإحصائيات خاطئة عن اقتصادها في محاولة لإخفاء حجم ديونها والعجز في ميزانيتها لتضليل الناخبين في الداخل وتفادي أي ضغوط خارجية من شركائها، لأن الاتحاد الأوروبي يشترط على دوله أن لا يتجاوز العجز في ميزانياتها نسبة ثلاثة في المائة من الناتج القومي. وعندما انفجرت الأزمة اتضح أن العجز المالي يبلغ أربعة أضعاف النسبة المسموح بها، كما أن الديون المعلنة تجاوزت 300 مليار يورو، وأن اليونان تواجه احتمال العجز عن خدمة ديونها. ورغم أنه لا أحد يتوقع أن تتعرض اليونان إلى إفلاس شبيه بما تعرضت له أيسلندا، لأن دول منطقة اليورو لن تسمح بذلك، فإن الأزمة مرشحة للتصاعد خلال الأسابيع المقبلة، بحيث ستضع اليورو أمام أكبر تحدياته. فالدراما الإغريقية لن تبقى على الأرجح محصورة في اليونان وحدها، بل قد تنضم إسبانيا والبرتغال إلى المشهد المضطرب مما يعني أن أوروبا، بل الاقتصاد العالمي بأكمله، مرشح لهزة جديدة يفقد معها اليورو جولة مهمة أمام الدولار، في الجدل الدائر حول أي العملات الدولية سيكون مهيمنا خلال المستقبل المنظور.

[email protected]