واصدمتاه ...

TT

غريب، بعد كل الاتصالات المحمومة التي اجرتها اسرائيل مع اكثر من عاصمة غربية ـ وعلى رأسها واشنطن ـ «للتدخل» مع كل المشاركين في مؤتمر ديربان بغية تجنيبها ادانة محتملة بممارسة سياسة عنصرية حيال سكان فلسطين الاصليين.... ان «تصدم» من ادانتها من جانب نحو ثلاثة آلاف منظمة دولية غير حكومية بأنها دولة عنصرية ترتكب بطريقة منظمة جرائم ضد الانسانية وتمارس الابادة الجماعية والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني. وغريب ايضا ان تدعي وسائل الاعلام الاسرائيلية ان سمعة اسرائيل العطرة «خدشت» بهذه الادانة الجماعية «غير المتوقعة» ـ رغم ما بذلته من ضغوط مباشرة وغير مباشرة للحؤول دون صدور هذه الادانة.

الا ان الاكثر غرابة ان اسرائيل لا تزال تعتبر «العنصرية» و«اللاسامية» وقفا على غيرها، وانها، «كامرأة قيصر»، فوق الشبهات... رغم تشبثها باحتلال اراضي الغير وممارستها سياسة اغتيال للفلسطينيين «على الهوية»، ناهيك من تصنيف مواطنيها الى يهود... وغير يهود، مع ما يحمله هذا التصنيف من تمييز فاقع، في الحقوق بين مواطني الدولة الواحدة. لذلك لم يكن مستغربا ان تحمّل الجميع، بمن فيهم الامين العام للامم المتحدة كوفي انان، مسؤولية هذه «الصدمة» .

حتى تساؤل وزير خارجية فنلندا «كيف يمكن لليهود بالذات ان يديروا سياسة مطاردة ضد الفلسطينيين وهم الذين كانوا قد تعرضوا لممارسات شبيهة في الثلاثينات من القرن الماضي» ... ادرجته الحكومة الاسرائيلية في خانة «حملة التحريض اللاسامية» عليها كي تتجاهل الرد عليه بمنطق مقبول سياسيا.

ولكن الذاكرة الاسرائيلية نسيت، أو تناست، في حملتها الدفاعية المرتبكة عن «سمعتها» الدولية، ان من تتهمهم بتحريك المشاعر «اللاسامية» ضدها، اي العرب والمسلمين، منحوها عام 1991، ومع بدء عملية السلام في مدريد، فرصة تاريخية لاظهار براءتها من التهم العنصرية وذلك بتصويت معظمهم على الغاء قرار الامم المتحدة بمساواة الصهيونية بالعنصرية الذي اتخذ قبل ربع قرن من بدء عملية السلام في الشرق الاوسط.

آنذاك سلّف العرب والمسلمون «الصهيونية» موقفا شجاعا فشلت كل الحكومات الاسرائيلية التي تعاقبت على السلطة، وعلى مدى عقد كامل، في مجاراته بالمسؤولية المطلوبة، وحتى في ملاقاته في منتصف الطريق... فكان ردها عليه المزيد من التنكيل والقتل والتقتيل للفلسطينيين والمزيد من التهرب من استحقاق السلام وموجباته.

على هذه الخلفية بالذات، لا تلومنّ اسرائيل الا نفسها.

وإذا كانت هناك ثمة «صدمة» من اجماع ثلاثة آلاف منظمة دولية على ادانة اسرائيل بالعنصرية فقد تكون صدمة الفلسطينيين في تأخر صدور هذه الادانة عقدا كاملا.