تفضلوا

TT

حين كتبت مقال (دبي وحماس و«العنصر القاتل») تعليقاً على تصريحات قائد شرطة دبي التي قال فيها إن عميلا من حماس سرب معلومات أدت إلى اغتيال محمود المبحوح، وطرحت وقتها تساؤلا عما إذا كان عماد مغنية قد اغتيل أيضاً بوشاية من جاسوس في حزب الله على غرار المبحوح، علق قارئ بالقول «اتق الله.. فرغم وجود قرابة 11 متهماً في عملية الاغتيال لا تعلق إلا على عميل حماس».

اليوم، ونقلا عن صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، يُكشف لنا عميل آخر من داخل حماس، لقّب بـ«الأمير الأخضر»، وبحسب الصحيفة فإن العميل قد ساعد الإسرائيليين على القيام بعدة اعتقالات، ومنع عشرات العمليات ضد إسرائيل خلال الانتفاضة الثانية. وأضافت الصحيفة أن معلومات العميل أدت إلى اعتقال كل من إبراهيم حامد القائد العسكري لحماس بالضفة الغربية، ومثله عبد الله البرغوثي، وكذلك مروان البرغوثي أمين سر حركة فتح سابقاً. والأمر لا يقف عند ما كشفته الصحيفة الإسرائيلية وحسب، بل إن المتهم بالعمالة للإسرائيليين يشارك في تأليف كتاب بعنوان «ابن حماس» سينشر الأسبوع المقبل في أميركا.

والسؤال هنا هو: هل نحن مطالبون بالتصفيق لحماس، أو حزب الله، فقط لأنهم يتحدثون باسم القضية الفلسطينية؟ فهناك أسامة بن لادن، الذي بات يتحدث باسم القضية مؤخراً، ومعه الظواهري، وقبلهم إيران، وكان صدام حسين يفعل نفس الشيء أيضاً. صحيح أن الوقوف مع القضية والدفاع عنها، أمر واجب وحتمي، لكنه لا يعني أن نسلم عقولنا لكل من يريد بيعنا الوهم، أو جرنا لغياهب المجهول، ثم نعود ونكتشف أنه كان مضحوكاً علينا، فالطريق إلى جهنم معبّد بالنوايا الحسنة، كما يقال.

فقصة الجواسيس والجاسوسية، سواء في القضية أو غيرها، أمر ليس بالجديد، لكن السؤال هو: ما الذي يسهل الجاسوسية في القضية الفلسطينية، ويجعلها أمراً متكرراً؟ الإجابة البسيطة أن القضية باتت تجارة عاطفية سهل استغلالها والحديث عنها، وكذلك الترهيب بها، سواء من المثقف، أو السياسي، وحتى رجل الدين. والغريب أن ردود الفعل في عالمنا العربي على ظهور أي متهم بالجاسوسية في القضية الفلسطينية، تأتي باهتة، ودائما ما يراد طيها، وبسرعة، وإلا كيف نفهم أن تقوم الدنيا ولا تقعد عندما تستقبل، مثلا، مسؤولة في مركز الأهرام للدراسات بالقاهرة السفير الإسرائيلي هناك علناً، وهو مركز يقدم المعلومات، ولا يمكن أن يقال بأنه محاب لإسرائيل، ناهيك عن أن الاستقبال قد تم في دولة عقدت اتفاق سلام مع إسرائيل، بينما لا نرى مقالات تنتقد حماس، أو تتساءل عن تغلغل الجواسيس في الحركة الإسلامية؟

فلم نسمع من يقول إن الحال الذي وصل إليه الفلسطينيون من الشرذمة، والصراع، هو الذي سهّل ظهور الجواسيس، كما أن سوء الإدارة والجهل السياسي الذي قاد إلى حياة مذلة في غزة هما ما قد يكونان دفعا البعض إلى أن يصبح جاسوسا لمصلحة إسرائيل ضد قضيته، ووطنه الحلم.

لا أعلم لماذا نحن مطالبون بتعطيل نعمة العقل في كل أوطاننا العربية، ودون استثناء!

[email protected]