معاناة الأقليات في إيران

TT

سمع قليل من الناس من خارج إيران عن عبد المالك ريغي. لكن يرى كثيرون داخل إيران هذا المتمرد، الذي يبلغ من العمر 32 عاما وينتمي إلى قبائل البلوش، على أنه مزيج من رواية «كزبرة الثعلب القرمزية» (Scarlet Pimpernel) و«آل كابوني». ففي سنوات قليلة، تمكن من أن يصبح شوكة في جنب النظام الحاكم الأمني العسكري الصاعد في طهران.

جرى تحميل ريغي مسؤولية مقتل أكثر من 100 عضو في الحرس الثوري الإسلامي، بما فيهم قادة بارزون، وأعضاء في منظمات أمنية أخرى في الجمهورية الخمينية، ناهيك عن العشرات من المدنيين باعتبارهم «ضحايا غير مقصودين». إلا أن ريغي مُني بسوء الحظ يوم الثلاثاء الماضي، عندما اضطرت طائرة ركاب باكستانية، كان يسافر على متنها إلى دولة عربية لم يذكر اسمها، إلى الهبوط في إيران. وبعد دقائق من الهبوط الإجباري، كان ريغي في أيدي الحرس الثوري الإسلامي. ويثير هذا الحادث عددا من التساؤلات:

أولا: كيف علمت السلطات الخمينية بوجود ريغي على متن الطائرة الباكستانية؟ الجميع يعرف أن ريغي سافر باستخدام وثائق سفر مختلفة وأسماء مستعارة. ومن المفترض أنه لا بد وأنه اتخذت بعض الإجراءات الاحترازية قبل الصعود إلى الطائرة. وعلى أي حال، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يسافر فيها ريغي خارج باكستان. ففي الصيف الماضي، سافر إلى أوروبا في جولة زار خلالها أربعة بلدان.

هل أحاطت السلطات الباكستانية طهران علما بوجود ريغي على متن الطائرة؟ لا يعرف أحد من خارج الحكومة في البلدين الإجابة بالتأكيد. إلا أن هناك احتمالية تقول إن إسلام آباد قررت إنهاء استضافتها لريغي بتسليمه للإيرانيين. وتتفق هذه الاحتمالية مع محاولات الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري في الفترة الأخيرة التودد إلى طهران.

يذكر أن العلاقات بين الرئيس الباكستاني وحليفه الرئيسي (الولايات المتحدة) تدهورت على مدار الأشهر القليلة الماضية، حيث حاولت الإدارة الأميركية الجديدة إضعاف قبضة زرداري على السلطة عن طريق مغازلة معارضيه.

ولفترة قصيرة، حاولت واشنطن، بدعم من بعض الحلفاء في المنطقة، تصعيد رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف ليكون بديلا لزرداري. وعلى الرغم من تخلي واشنطن الآن عن هذه السياسة، فإن زرداري ينظر إليها على أنها صديق متقلب. علاوة على ذلك، هناك مخاوف من أن إدارة أوباما قد تنسحب على نحو مفاجئ من أفغانستان كما تنسحب الآن من العراق.

وفي هذه الحالة، ستحتاج باكستان إلى علاقة فعالة مع إيران، التي من المحتمل أن تصعد باعتبارها أحد اللاعبين الرئيسيين في أفغانستان.

ومع ذلك، قد يكون سبب آخر في التغيير المحتمل في موقف إسلام آباد، هو أن هذا التغيير له مقابل، وهو توقف إيران عن دعم المتمردين في إقليم بلوشستان بباكستان مقابل إلقاء القبض على ريغي. ومن المحتمل أنه جرى التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن الشهر الماضي أثناء زيارة غير مسبوقة قام بها وزير الداخلية الإيراني الجنرال محمد نجار إلى إسلام آباد.

وإذا كان أحد لا يوافق على فكرة أن إسلام آباد قررت وضع العلاقات مع طهران على مسار مختلف، فيجب أن نفترض إذن أن الإيرانيين حصلوا على معلومات بشأن تحركات ريغي عن طريق تقديم الرشوة لمسؤولين باكستانيين. وفي هذه الحالة، على زرداري أن يقرر ما إذا كان الجهاز الأمني الذي يمكن لقوى أجنبية شراؤه له مكان في النظام الديمقراطي الذي يدعي أنه يقيمه أم لا.

والتساؤل الثاني الذي يثيره اعتقال ريغي هو المكان الذي ينبغي للكفاح المسلح أن يأخذه في المعركة ضد نظام حاكم يزداد افتقاره إلى الشعبية.

وقد أثارت هذه القضية جدلا خلال الأسابيع القليلة الماضية.

وقد دفع نجاح النظام الحاكم في احتواء مظاهرات المعارضة خلال الأيام الأولى من الشهر الحالي أنصار الكفاح المسلح إلى رفع أصواتهم.

وانتقدت الحركة الإسلامية اليسارية (مجاهدي خلق) الحركة «الخضراء» المعارضة وذلك «لاعتمادها الطوباوي على الاحتجاج السلمي». وأعرب حزب الحياة الحرة الكردستاني، وهو الفرع الإيراني من حزب العمال الكردستاني، عن وجهات نظر مماثلة. وذهب عدد من الجماعات الماوية الصغرى إلى أبعد من ذلك، حيث دعت إلى حرب العصابات في المدن. ولا ينبغي للمعارضة الديمقراطية في إيران أن تنصت إلى مثل هذه النداءات التحريضية. ويظهر اعتقال ريغي حدود العمل المسلح والإخفاق النهائي لاستراتيجية قائمة على العنف. وعلى الرغم من أن النظام الخميني الحاكم هو نظام قمعي، فلم ينجح بعد في إغلاق جميع السبل للتعبير عن المعارضة.

وفي معظم الحالات، يتدنى الكفاح المسلح ليصل إلى مرحلة الإرهاب. ويقدم ذلك ذريعة للتحالف الأمني العسكري لتعزيز قبضته على السلطة والدعوة إلى حملة أكثر شراسة ضد المعارضة. وفي كثير من الأحيان، يشكل الإرهاب والقمع الأمني والعسكري زوجين يرقصان معا رقصة مميتة. وتسبب «الكفاح المسلح» لريغي في أضرار للبلوش بدلا من أن يساعدهم، حيث مكنت هجماته النظام الحاكم من تجاهل الشكاوى الشرعية للبلوش، وتصوير أولئك الذين نادوا بالتوصل إلى اتفاق عادل من أجل شعب مقهور على أنهم «إرهابيون وعملاء لجهات أجنبية». ومع ريغي أو من دونه، تظل الحقيقة هي أن البلوش الإيرانيين ضحايا التمييز المنهجي. يقل العمر الافتراضي في إقليم سيستان وبلوشستان بمقدار عشر سنوات كاملة عن المتوسط الوطني الإيراني. ويزيد معدل الأمية في المناطق التي يعيش فيها البلوش من الإقليم بست مرات عن المتوسط الوطني، فيما يبلغ معدل البطالة نحو 40 في المائة.

ويتمتع الإقليم بربع في المائة فقط من الاستثمارات العامة، ومعظمها مخصص للمشروعات العسكرية التي توفر عددا صغيرا من الوظائف للسكان المحليين.

وتمكن أكثر من ثلث القوة العاملة البلوشية من الحصول على مصادر للدخل بفضل الوظائف الموسمية في مناطق أخرى من إيران، خاصة خراسان. ويهاجر الكثير منهم إلى بلدان أخرى في المنطقة أو إلى أميركا الشمالية.

كما أن البلوش الإيرانيين هم ضحايا القمع الثقافي والديني.

ولا يدخر النظام الحاكم جهدا للقضاء على اللغة البلوشية، وهي إحدى اللغات الإيرانية.وينتمي أكثر من 80 في المائة من البلوش في إيران، والذين يقدر عددهم بنحو مليوني مواطن، إلى المذهب السني، لذا فهم ضحايا للتمييز الديني على أيدي نظام حاكم يستند في إدعائه للشرعية على مذهب متطرف من مذهب الشيعة الاثنا عشرية. وعلى مدار الثلاثين عاما الماضية، أغلق النظام الحاكم جميع المدارس التي تدرس المذهب السني الإسلامي في إقليم بلوشستان الإيراني فيما عدا أربع مدارس فقط. وجرى طرد كثير من رجال الدين البلوش، والذين يعرفون باسم المولويين (ومفردها مولوي)، من الإقليم، واغتيل أكثر من عشرين منهم في النهاية في ظروف غامضة. كما سيطر النظام الحاكم على نصف مساجد البلوش على الأقل وعين ملالي شيعة كأئمة للمساجد في خطب الجمعة في بعض القرى والمدن التي تقطنها أغلبية سنية. وعلى مدار ثلاثين عاما، كان إجبار البلوش على اعتناق الصورة الخمينية من المذهب الشيعي بمثابة سياسة ثابتة للنظام الحاكم. وأصبحت هذه الحملة أكثر حدة منذ انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيسا للبلاد في عام 2005.

ولم يفعل «الكفاح المسلح» لريغي شيئا لرفع الظلم الذي يمارسه النظام الخميني الحاكم على البلوش. إلا أن اعتقاله لن يخفي هذا الظلم، ولن يغير بيئة العنف وانعدام الأمن التي تسود قطاعا كبيرا من جنوب شرقي إيران.

ويجب على حركة المعارضة تناول الحقيقة التي تقول إنه في ظل النظام الخميني الحاكم، تخضع الأقليات الدينية والعرقية في إيران إلى ظلم مزدوج، ويجب على الحركة كذلك تقديم السياسات التي تتمتع بالمصداقية لمعالجة هذه المشكلة.

وفي العام الماضي، تعامل مهدي كروبي، أحد الشخصيات البارزة في المعارضة، لفترة قصيرة مع هذه القضية، قبل أن يبتعد عنها سريعا. هذا ليس جيدا بما فيه الكفاية. ينبغي أن يوفر اعتقال ريغي فرصة لنقاش أكثر جدية حول هذه القضية.