صباح الخير أنت

TT

أنا شخصيا لا مشكلة عندي من ناحية «النفاق»، وقد مارست ذلك قليلا، طبعا من أجل لزوم الحاجة لا أكثر ولا أقل، فهناك نفاق حميد ونفاق خبيث، ونفاقي هو من الصنف الأول، ولم أقترف النفاق الخبيث إلا ثلاث أو أربع مرات على ما أذكر، وكلها انتهت بفضيحة أو شبه فضيحة.

ولن أتحدث اليوم عن النفاق الخبيث لأنني لا أريد أن أفسد أخلاق الآخرين، وسوف أطرح أمامكم مثالين، أحدهما قرأته من كتب التاريخ، والآخر جديد لا يزال «بورقته» وحدث قبل عدة أيام وكنت شاهدا عليه.

وإليكم المثال القديم: فيُروى أن الملك لويس الرابع عشر الملقب بالملك الشمس، كان يخاف ويضطرب كثيرا من فكرة الموت - مثلي تماما - ويقال إنه أثناء إحدى رحلاته اتفق أن حضر قداسا في إحدى القرى، وتولى القسيس الارتباك الشديد لمجرد التفكير بتقديم عظته في حضرة الملك، وما كاد يتكلم حتى قاده الحديث كما هي العادة إلى إعلان الحقيقة البديهية قائلا: «نحن جميعا سنموت أيها الإخوة»، وسرعان ما فطن إلى أنه أساء في هذه الإشارة إلى الزائر الملكي، فاستدرك وصحح لنفسه على الفور قائلا: «أو على الأقل، فمعظمنا سيموت».

والحادثة الثانية المعاصرة التي كنت شاهدا عليها، عندما كنت حاضرا مجلسا عامرا لأحد المشايخ من رجال الأعمال الذين لهم «شنّة ورنّة»، وقد أوتي من الأموال الشيء الكثير، غير أنه أوتي من موهبة الشعر الأقل من القليل، ولكنه ما فتئ دائما يلقي على الحضور إبداعاته الشعرية بإصرار عجيب، فيحظى دائما بالإعجاب والمديح الكاذب من الحاضرين، وفي تلك الليلة المشهودة أخذ يشنّف آذاننا بإحدى قصائده العصماء، وعندما انتهى أخذ يستعرض آراءنا، وكنت بالطبع من ضمن المادحين، غير أن أحدنا فاجأ الجميع عندما قال: «والله يا شيخ إنك أردت أن تنظم أبياتا رديئة فنجحت في ذلك نجاحا منقطع النظير».

* * *

أحد الرجال الحمقى خاصمني أو قاطعني نهائيا ولم يعد يكلمني، فصادفته يوما وجها لوجه، وأردت أن أكون أكرم منه، فبادرته قائلا: «صباح الخير»، فأشاح بوجهه عني بنرفزة واضحة وقال وكأنه يشتمني: «صباح الخير أنت»، ومضى في حال سبيله.

* * *

كانت راقصة مشهورة تؤدي وصلتها برقصة «الكان كان» في ملهى الطاحونة الحمراء بباريس، واستُدعيَت يوما للمحكمة لتشهد في قضية، فعرفها القاضي وقال لها: «في هذا المكان إذا أردت أن تشهدي فيجب عليك أن ترفعي يدك لا ساقك وتقولي: أقسم على ذلك»، فرفعت يدها ثم أتبعتها بساقها قائلة: «أقسم على ذلك».

وهذه الراقصة ذكرتني بأحدهم عندما أخذ يشكو إلى طبيب ضعفه ووهنه وقلة حيلته، فوصف له الطبيب حبوبا معينة تساعده على شد أزره.

وفي اليوم الثاني اتصل به الطبيب ليطمئن على فعالية العلاج، فشكره شكرا جزيلا وأتبعه بقوله: «إن زوجتي كذلك يا دكتور كانت طوال الليل ترفع كفيها وتدعو لك بطول العمر».

[email protected]