في القفص أكبر من المبحوح

TT

عندما أعلن أن عدد أفراد فرقة اغتيال القيادي محمود المبحوح 11 إسرائيليا ذهلنا من الرقم الكبير. ومن مجريات الحدث كما بينته صور الكاميرات سبعة من وحدة الاغتيال قاموا بالمراقبة، والبقية ارتكبوا الجريمة مباشرة. الآن ظهر أن هناك 15 إسرائيليا آخر كانوا موجودين في نفس المدينة، ونفس الوقت، ويبدو لنفس المهمة، فهل يعقل أن يخاطر الموساد بستة وعشرين عميلا لتنفيذ عملية قتل شخص واحد؟

هذا التساؤل المحير أصبح حديث الجميع، ليس من هو وراء الاغتيال أو أسبابه، لأن الأطراف الإسرائيلية اعترفت بشكل غير رسمي عندما لم تنف بشكل قاطع بل أنكرت وجود دليل جنائي يربطها بالجريمة، وهذا ليس إنكارا بل إنه نفي لأن تكون تركت دليلا يجرمها قضائيا، على اعتبار أنه لا توجد صور أو شهود على عملية القتل أو بصمات على أدوات الجريمة، وإن كانت الصور الأمنية دامغة على وجود القتلة في المكان والوقت للجريمة، وهي أدلة كافية لإدانتهم في أي محكمة في العالم.

المعلومة الناقصة والمهمة هي ماذا كان يفعل الإسرائيليون بهذا الفريق الضخم من عملائهم في دبي؟ الفريق ضاحي بن خلفان، قائد شرطة دبي، قال إن العدد الكبير كان هدفه التمويه على الجريمة وتضييع معالمها. ربما، لكن المنطق يقول إنه كلما زاد العدد زادت احتمالات فضح العملية، وكثرت الأدلة على المجرمين، كما نرى من استخدامهم الهواتف، والبطاقات المالية، وارتباطهم ببعضهم في الصور الملتقطة لهم. ولا يعقل أن هناك حاجة إلى مثل هذا العدد الهائل لملاحقة رجل جاء وحده، وسكن وحده، ومن الصور اتضح أنه كان يسير وحيدا بلا حراسة، أعزل حتى بلا سكين مطبخ. لو كان الضحية يعيش وسط بيت في حراسات متعددة كما هو حال القيادات الكبيرة في حماس وفتح وغيرهما، صار مفهوما اعتماد إسرائيل وحدة كوماندوز كبيرة، ولو كان هجوما بالأسلحة على هدف محصن، كما حدث في عملية اغتيال أبو جهاد في منزله على البحر في تونس، حيث هاجمه 25 إسرائيليا بالأسلحة الرشاشة، أيضا كان الأمر منطقيا. إلى اليوم لم يعترف الإسرائيليون بأنهم من نفذ العملية، مع هذا الجميع مقتنع بأنهم من فعلها. وسبق أن ارتكبوا عشرات من جرائم الاغتيال ولم يعترفوا بها إلى اليوم، مثل اغتيالهم العلني لكمال عدوان وكمال ناصر. لم يعترفوا بعملياتهم الفاشلة، ولم يحاكموا عليها، مثلما اغتالوا جرسون مطعم ظنوه قيادي فتح حسن سلامة، ليكملوا جريمتهم بعد ست سنوات بتفخيخ سيارة سلامة. وليست كل جرائمهم بالرصاص أو الخنق، بل قتلوا وديع حداد بشوكولاته مسمومة في ألمانيا الشرقية، وسمموا خالد مشعل الذي أنقذه من الموت الملك حسين. وعلى طريقة جريمة فندق البستان في دبي اغتالوا العالم المصري يحيى المشد في غرفته في فندق باريسي، وكذلك عاطف بسيسو الذي قتلوه أيضا في باريس وهو يسير في طريقه إلى فندقه.

وأعتقد أن حرص دبي على فتح مواجهة مع الموساد ضرورية، بإشهار كل المعلومات من صور ووثائق وأسماء، في سابقة لا مثيل لها، حيث جرت العادة ألا نسمع أو نرى شيئا عن أي من تفاصيل جرائم الاغتيال السياسية والعسكرية في الدول الأخرى. فهي رسالة واضحة للإسرائيليين وغيرهم بالابتعاد عن دبي، وأن دبي ليست قبرص ساحة مفتوحة للسياحة الجرائمية.

[email protected]