الاتجاه الهندي

TT

تستقبل السعودية رئيس الوزراء الهندي في زيارة تاريخية ومهمة للغاية، لها الكثير من المعاني والرموز التي تستحق الوقوف أمامها، والتمعن قليلا فيها. الهند تأتي اليوم لزيارة السعودية كلاعب أساسي في الاقتصاد العالمي، ودولة ذات وزن اقتصادي فاعل، وصاحبة قيمة مضافة. الهند التي كان السعوديون في يوم من الأيام يرسلون أبناءهم للتعليم هناك، وممارسة الطبابة والعلاج وطلب العلم الشرعي واستيراد التوابل والأطعمة والشاي والحرير والأقمشة، أصبحت اليوم موردا مهما للتقنية العالية في علوم الحاسب الآلي والبرمجة والأدوية والصيدلة والسيارات والشاحنات والسفن والحديد والفنادق والأطعمة المطورة والاستشارات الإدارية والمحاسبية والتعليم العالي والسينما والتلفزة.

لسنوات طويلة كان الهندي أسير صورة نمطية في الذهنية الخليجية، فهو العامل البسيط الذي يهز رأسه ذات اليمين وذات الشمال، ويبتسم بلا مناسبة، ولا يفهم ما يقال له، واليوم الهندي يتبوأ أعلى المناصب في المؤسسات في شركات هندية، مثل «تاتا» و«غوديرج» و«أمباني» و«ريلانيس» و«أنفوسيس» و«أوبروي» و«ميتال»، وغيرها، أو شركات متعددة الجنسيات رأس الهرم الإداري فيها هندي، مثل «بيبسي» و«سيتي بنك» و«بوز» و«ماكنزي»، وغيرها.

الهند دولة عظمى، جارٍ تكوينها، ومصيرها أن تكون عضوا جديدا في مجلس الأمن، وعن جدارة، وفيها أكبر جالية مسلمة في العالم يفوق عددها المائتي مليون نسمة يعيشون بسلام. والأثر الهندي اليوم في العالم لم يعد من الممكن إغفاله، أو التقليل من شأنه، فهم قد غزوا السينما العالمية، وبات للفيلم الهندي حضور لافت ومهيمن، وكذلك بالنسبة إلى الكتاب والموسيقى، وأصبح النجم الهندي نجما عالميا، له حضور عابر للقارات، ليس فقط بين أبناء هنود المهجر، وهم بعشرات الملايين حول العالم، ولكن حتى بالنسبة إلى أبناء الثقافات الأخرى. واليوم الشركات الهندية تكشر عن أنيابها، وتفتح شهيتها الاستحواذية بقوة، فتلتهم الفنادق الكبرى وشركات الحديد والصلب والسيارات حول العالم، والعنصر البشري الهندي يصبح العمود الفقري في أهم شركات البرمجة والاقتصاد الجديد في الولايات المتحدة الأميركية.

والجامعات الهندية الكبرى تحتل مكانات متقدمة جدا في تصنيف الجامعات العالمي، ويتحول أهم عمداء تلك الجامعات إلى مستشاري الشركات للإدارة والموارد البشرية، ويؤلفون الكتب التي تتحول إلى إصدارات تحقق مبيعات كبيرة. الهند تأتي للاقتصاد العربي الأكبر، لمركز العالم الإسلامي، ولمركز الثقل العربي، لترسيخ علاقة جديدة مطلوبة، ولإحداث نقلة نوعية في «شكل» العلاقة بين الهند والعالم العربي، والخليجي منه تحديدا، الذي استمر لسنوات طويلة بلا تطوير حقيقي يليق بقدم العلاقة، وحجم الوجود الهندي في المنطقة ومساحة الود وحسن الظن الموجود بين الطرفين. هناك الكثير من مجالات التواصل والتكامل الممكن حصوله بين الطرفين. الهند، من الممكن أن تستفيد من الدراية والخبرة السعودية في عالم المقاولات للمشاركة في مشاريع البنية التحتية، من شوارع وأنفاق وجسور ومحطات تحلية.. والسعودية، من الممكن الاستفادة من التجارب الهندية في الطب المنخفض التكلفة والتعليم الفعال وصناعة الدواء المدروسة التكاليف. زيارة المسؤول الهندي الكبير للسعودية وتطوير العلاقة بين البلدين خطوة ولبنة جديدة تضاف إلى البناء المتأني في قواعد العلاقات السعودية الجديدة مع الشرق. دول الشرق البارزة والمهمة، كالصين وكوريا الجنوبية وماليزيا وإندونيسيا، وطبعا الهند، آخذة في تكوين حصة ومكانة استثنائية لها في خريطة العالم الاقتصادية، والارتباط المدروس معها فيه حكمة وفطنة.

[email protected]