القائد والجندي والمرأة

TT

أثار استشهادي بكلمة مكنمارا «العراقيون ليسوا ألمانا» بعض التعليقات. وصفها أحد القراء بالعنصرية. أنا فسرتها بأنها إشارة للاختلاف بين الشعبين في المعرفة والثقافة، ولكن الموضوع جرني إلى مناقشات مفيدة مع أصحابي. أشرت مرارا إلى ضعف روحنا الوطنية وحداثتها. هل سمعنا بأي مسؤول ألماني يسرق دولارا واحدا من المساعدات الأميركية بعد الحرب ويودع ذلك في بنوك سويسرا، كما فعل المسؤولون العراقيون بملايين الدولارات؟

نسمع كل يوم عن بطولات الغربيين في الحربين العالميتين. ما أن أعلنت الحرب حتى بادر أبناء الذوات عندهم وخريجو وأساتذة أكسفورد وكمبردج للتطوع. قطعوا مئات الأميال مشيا على أقدامهم ليشاركوا في مقاتلة الألمان بالسلاح الأبيض ويموتوا أفظع ميتة في تلك الخنادق الرهيبة من الجبهة الغربية. كان ممن شاركوا وماتوا الدوق كنت، شقيق الملك. قلما تزور عائلة أرستقراطية في أوروبا دون أن تسمع عن مقتل أحد أبنائها في الحرب. تأتي ذكرى الحرب العالمية فتراهم يركبون سياراتهم الرولز رويز والمرسيدس ليزوروا قبور أبنائهم في مقابر الحرب العديدة في الفلاندرز أو نورماندي أو الراين. شباب رائعون ومدللون كان ينتظرهم مستقبل زاهر وحبيب فاتن يموتون أفظع ميتة على سنان الحراب من أجل وطنهم، ويعتز ذووهم بموتهم.

بالطبع سمعنا جميعا بحكايات من نوع آخر مع الأسف. كل أبناء الذوات في العراق الذين تفادوا المشاركة في أي قتال أو أي مجهود حربي بالرشوة والوساطة. سألت أحد أبناء عمومتي، كيف تهرب أخوك فلان من الاشتراك في حرب إيران؟ قال: كانت لديه سيارة شحن صغيرة استعملها في تزويد زوجة الآمر بالفحم فأبقاه الآمر في بغداد. لم يشارك أي قشطيني في أي قادسية من قادسيات صدام حسين. أنا شخصيا ما زالت صفحتي في دائرة التجنيد نظيفة خالية من أي إشارة إلي. حدثني ضابط التجنيد فقال: نحن نعرف أنك متهرب من الخدمة، وكذا أخوك فلان وابن عمك فلان، ولكننا نحترمكم ونشوفها عيب أن ندق باب بيت قشطيني وناخذ ابنهم للعسكرية!

كلام رائع. ولكن أروع منه الحكاية التي سمعتها مؤخرا. استطاع جندي من أبناء الذوات أن يساوم آمره، أحد قادة الجبهة مع إيران، على نقله إلى بغداد. طلب منه الآمر أن يشتري لقاء ذلك سيارة من نوع كذا ولون كذا ويعطيها لزوجته. تمت الصفقة ونقل الجندي الشاب إلى العاصمة. وكان شابا وسيما رشيق القامة، ابن ذوات، مضبوطا، اصطحب الزوجة المومأ إليها لدائرة تسجيل السيارات. وفي الطريق، أقام علاقة عاطفية معها، وزوجها غائب في الجبهة. واستمرت العلاقة إلى نهاية الحرب وتسريحه من الجيش.

في اللقاء الأخير، جاءها العشيق الجندي بورقة نقل ملكية السيارة لتحويلها لاسمه. قال لها: وقعي وإلا أخبرت زوجك بعلاقتنا!