كلينتون وسيكولوجية القيادة السورية!

TT

حينما تطلب الولايات المتحدة من سورية الابتعاد عن إيران - كما صرحت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون - دون أن تقدم مقابل هذا الابتعاد رؤية جادة لحل بعض مشكلات سورية، وفي مقدمتها مشكلة الجولان، فذلك يعني أن الولايات المتحدة تريد من سورية أن تضحي ببعض ارتباطاتها مقابل قبض الريح، وكنت أتوقع رد الفعل السوري على الطلب الأميركي الذي نقلته كلينتون من السر إلى العلن، دون الأخذ في الاعتبار لسيكولوجية القيادة السورية، ولذا لم تدهشني أن يصل رد الفعل إلى ذلك القدر من التهكم الذي أبداه الرئيس السوري بشار الأسد، حينما قال في حضور الرئيس الإيراني أحمدي نجاد: «التقينا اليوم لتوقيع اتفاقية ابتعاد»، وكيف استطرد في التهكم ليقول: «لكن بما أننا فهمنا الأمور خطأ، ربما بسبب الترجمة أو محدودية الفهم، فوقعنا اتفاقية إلغاء التأشيرات»، فلم يكن من المنتظر أن ترتضي سورية - ولا غيرها - لنفسها الظهور بمظهر من يفرض عليه تحديد مسافات القرب أو البعد من الآخرين، خاصة أن وزيرة الخارجية الأميركية كلينتون قد تحدثت بلغة لم تعد تتسع لهضمها سيكولوجية المتمردين على هيمنة الولايات المتحدة، الذين لهم قناعاتهم بأن أميركا اليوم لم تعد تمتلك كامل أوراق اللعبة في المنطقة، وهم يرون أن الزمن رسّخ صورة عجزها عن التأثير في القرارات الإسرائيلية، الأمر الذي أوقع أميركا في سلسلة طويلة من الحرج مع دول المنطقة.

ويخطئ من يظن أن إبقاء سورية لارتباطاتها مع إيران في هذه المرحلة الحرجة من علاقة إيران بالغرب مبعثه مصالحها الاقتصادية، فحجم التبادل التجاري بينها وبين إيران لم يتجاوز 350 مليون دولار، إضافة إلى استثمارات إيرانية تقدر بنحو مليار ونصف المليار دولار في مجالات صناعة السيارات، وصوامع الغلال، والإسمنت، والزجاج، وهي أرقام متواضعة جدا، ولا ترتقي لأن تكون العامل الحاسم في هذه العلاقة، التي أراها تولدت من يأس السوريين على مدى أكثر من أربعة عقود من أن تلعب الولايات المتحدة الأميركية دورا منصفا وموضوعيا تجاه إنهاء إشكالية أراضيها المحتلة من قبل إسرائيل، وفي مثل هذا المناخ يمكن تفسير هذه العلاقة مع إيران أو غيرها، وعلى أميركا التي تبدو متضررة من هذه العلاقة أن تراجع حساباتها، وسياساتها، وأيضا خطابها السياسي بعيدا عن إملاء أوامرها، وفرض إرادتها على الآخرين، فالعالم قد شب عن الطوق، وآن الأوان لإنصات أميركا إلى مطالب العرب العادلة.

[email protected]