تويوتا وتكلفة الحداثة

TT

من المفاجئ أن جلسات الاستماع داخل الكونغرس التي تناولت مشكلة «تويوتا» متحضرة نسبيا. وبعيدا عن بعض الغطرسة المسرحية الحتمية، كان الاستجواب بصورة عامة محترما، وكانت الانفعالات منضبطة. وكان هذا هو العنصر الأبرز على الرغم من النزعة الدرامية التي سيطرت على جزء منها، مثلما حدث عندما بكت روندا سميث وهي تروي حكايتها عندما كانت تقود سياراتها «لكزس»، اتصلت بزوجها لأنها كانت «تريد سماع صوته لوقت أطول».

ربما تجعلك تلك القصص المؤلمة تود شنق أول مسؤول من شركة «تويوتا» تقابله في طريقك. ولكن، هذه القضية أكبر وأكثر تعقيدا.

ينتج أي مجتمع صناعي أشياء مدهشة وبأعداد كبيرة، مثل السيارات والأدوية والأجهزة الطبية. وتبدو هذه الأشياء رائعة، ومع ذلك يحتمل أن تكون مميتة أيضا. وفي بعض الأحيان تخدعنا عناصر الروعة. ولدى أي شخص يحصل على أجر عادي سيارة تنقله، فيها وسائل رفاهية وحرية وراحة أكبر من التي كان يتمتع بها أي ملك مسافر خلال القرون التي سبقت القرن العشرين. كما تحول الأدوية الحديثة دون الشعور بالمزيد من الآلام والضعف، ومن دون حدوث عدد أكبر من الوفيات بالمقارنة مع أي شيء استخدمه البشر في الماضي.

والقضية هي: كيف يمكن التمييز بين الفشل الجوهري والفشل المنهجي؟ وعلى سبيل المثال، كيف يمكن التمييز بين خطأ يحدث في خط تجميع السيارات، ومشكلة جوهرية في هندسة موديل السيارة؟ وكيف يمكن التمييز بين نفسية مريض تؤدي إلى حدوث آثار جانبية بعد تناول دواء معين، ومشكلة جوهرية تتعلق بالدواء تجعله خطرا ولا يمكن قبوله؟

لنفكر في الشيء الغريب في إعلانات هذه الأدوية على شاشات التلفزيون. خلال 50 ثانية، يتناول الإعلان المجهود العلاجي المبذول، ويتبعها نحو 45 ثانية لذكر قائمة سريعة للآثار الجانبية المحتملة المريعة. وعندما ينتهي الإعلان، لا يمكن تذكر شيء حول وظيفة الدواء، غير أنه يؤدي إلى الشعور بالغثيان وتليف الكبد والقيء وحدوث طفح جلدي وانتصاب لمدة أربع ساعات وموت مفاجئ. ويعد الموت المفاجئ الشيء المفضل بالنسبة إلي، إذ ثمة شيء مضحك في أن يكون الموت المفاجئ عرضا جانبيا. وما التأثير الرئيسي في تلك الحالة تحديدا؟ هل هو التخفيف من انتفاخات البطن؟ وكم من الوقت يمضي قبل أن نقول «كفى»، ونسحب الدواء من السوق؟

ولا تتخيل أننا لا نحسب ببرود التكلفة البشرية. في عام 1974، خفض الحد الأقصى للسرعة إلى 55 ميلا لكل ساعة بهدف توفير البترول. وأدى ذلك إلى تراجع كبير في الإصابات المرورية، قرابة 3000 روح كل عام. ولم يمنعنا ذلك بعد مرور أزمة النفط من رفع الحد الأقصى للسرعة ليعود إلى 65 ميلا في الساعة وأكثر، على الرغم من أننا كنا نعلم أن الآلاف من الأميركيين سيموتون بسبب ذلك. لم تكن الحسابات صريحة، ومع ذلك كانت حقيقة، وكنا مستعدين نوعا ما للتضحية بعدد من الأرواح البشرية مقابل السرعة، ومقابل الفاعلية والملاءمة التي تأتي معها.

ولا يهدف ذلك السماح لـ«تويوتا» بالهرب من هذا الموقف تحت دعوى أن المنتجات كافة فيها مخاطر. وقد أقر المسؤولون التنفيذيون في «تويوتا» فعلا بأنهم استهانوا بالتقارير الخاصة بدواسات السرعة. ويبدو، أخيرا، أنهم يبذلون جهدا جادا جدا لإصلاح ما يمكن إصلاحه، مع استئناف فحص احتمالية وجود مشكلة في بعض الأجهزة الإلكترونية الإضافية.

ليست استهانة بذكرى من قتلوا وأحزان من ورائهم أن نقر ببساطة أن أفضل التقنيات التي تنتجها أميز الشركات في العالم يمكن أن تشوبها أخطاء وتؤدي إلى حالات وفيات، وأن الاستجابة الذكية ليست مشاعر الغضب والعقاب، بل العلاج المتزن والاعتراف بالتكلفة الكبيرة التي ندفعها، طواعية، مقابل الحداثة بما تدره من أشياء رائعة وأخرى خطيرة.

*خدمة «واشنطن بوست»