أوباما يراهن على آسيا وسط حذر القوى الإقليمية

TT

تشكل آسيا مفترق طرق لنجاح أو إخفاق الخطط الأهم للسياسة الخارجية للرئيس الأميركي باراك أوباما. وتبلور هذا الانطباع على مدار عام بدا الرئيس خلاله غير مبال تجاه أوروبا، وعاطفيا ومضطربا إلى حد ما بشأن أفريقيا، ومتحيرا بشأن الشرق الأوسط وغافلا إلى حد كبير عن أميركا اللاتينية.

تبدو خيارات أوباما بشأن الصين والهند واليابان وباكستان مهمة على الأقل بنفس درجة أهمية التحديات الملحة المتعلقة بالحروب في أفغانستان والعراق. وأوضح الرئيس حاجة الولايات المتحدة إلى التخلص من الأعباء بإلقائها على جهات خارجية من أجل المساعدة في إصلاح الاقتصاد الأميركي الذي لحقت به أضرار بالغة. يعني ذلك أنه يجب على أوباما تسوية الأعباء - والسلطة - الأميركية المهملة عبر مجموعة من المنظمات الدولية يزيد فيها نفوذ بعض الدول الآسيوية على نحو متزايد. ألقى الرئيس بمجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى إلى غياهب النسيان في خطاب «حالة الاتحاد»، حيث أنه لم يذكر هذه الدول مطلقا فيما أشار إلى مجموعة العشرين، المؤلفة من دول متقدمة ونامية. ولم يسقط ذلك سهوا؛ حيث تأمل إدارته أن تخرج مفاوضات التغير المناخي من إطار الأمم المتحدة الذي يصعب السيطرة عليه والذي أسهم في فشل قمة كوبنهاغن في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ووضع هذه المحادثات في إطار مجموعة العشرين، بحسب مسؤولين أميركيين.

تقدم القوى العظمى في آسيا، وهي الهند والصين، نموذجين متباينين ومتعارضين للتعاون الدولي. يحتاج العالم في ظل مجموعة العشرين بشدة إلى علاقة ديناميكية بين الولايات المتحدة والهند، وذلك من أجل المساعدة في تسوية الانقسامات داخل هذه المنظمة بين الدول الغنية والدول الفقيرة وأنظمتهم السياسية المختلفة. لكن هنا في نيودلهي، تزداد مخاوف مسؤولين هنود من أن الفريق المعاون لأوباما لا يرى الأمر على هذا النحو. يشعر الهنود بالفخر لأن مأدبة العشاء الرسمي الوحيدة التي استضافها أوباما العام الماضي كانت على شرف رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ، الذي سيجعله ذكاؤه اللافت وأسلوبه المهذب ضيفا مرحبا به في أي مكان. لكنهم أيضا يلاحظون اتباع واشنطن توجهات متناقضة حيالهم، ويتمثل رد فعلهم في أنهم يحتاطون من أي انسحاب أميركي سريع من أفغانستان لأن من شأنه أن يتسبب في اعتماد أميركي اكبر على الصين وباكستان على حساب الهند.

وتجد الهند، التي تقربت إليها إدارة الرئيس الأميركي السابق بوش لإحداث توازن مع الصعود المستمر للصين كقوة عسكرية واقتصادية، نفسها غير متفاهمة مع إدارة أوباما بشأن بعض القضايا الأساسية. ورغم عدم وجود أي صراع معلن بين الجانبين، فإنه لا يوجد أيضا جو من الإثارة والابتكار بشأن علاقة الولايات المتحدة شبيه بما عاينته خلال رحلتي الأخيرة إلى الهند قبل 18 شهرا.

ومنذ ذلك الحين، رفضت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بوضوح سياسة توازن القوى باعتبارها من مخلفات الماضي. ومع ذلك تشعر الهند واليابان ودول آسيوية أخرى بالخوف من أنه من دون الدعم الأميركي، فستطغى عليهم القدرات العسكرية المتنامية للصين ودبلوماسيتها الفعالة والنشطة على نحو متزايد.

والفكرة الخيالية إلى حد ما لمنظمة مجموعة الاثنين، والتي تتعاون فيها الولايات المتحدة والصين لتحديد الاتجاه الاقتصادي والسياسي العالمي، تصطدم بالواقع على نحو متزايد، ذلك أن التوترات بشأن تايوان والتجارة والتبت تجعل فكرة مجموعة الاثنين غير قابلة للتطبيق، وهو ما أظهرته الأحداث الأخيرة مرة أخرى. لكن الخوف لا يزال يساور الآسيويين، وكذلك الأوروبيين، من أن أوباما سيميل لمحاولة تطبيق الفكرة، رغم أن بناء مجموعة اثنين فاشلة سيشكل النتيجة الأسوأ بالنسبة للجميع.

يقول بي جيه باندا، أحد السياسيين الشباب الصاعدين في الهند، «تنطوي مجموعة الاثنين على فكرة أن الولايات المتحدة ستترك آسيا للصين لتديرها». ويضيف خبير استراتيجي آخر: «علينا تحقيق التوازن مع الصينيين، بغض النظر عما تفعله الولايات المتحدة والآخرون». وأثار تأكيد أوباما على وضع موعد مبدئي للانسحاب من أفغانستان في خطابه الذي ألقاه في الأول من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، في الوقت الذي أرسل فيه مزيدا من القوات الأميركية، الشكوك في الهند بشأن الصبر الاستراتيجي للولايات المتحدة. وتصاعدت الشكوك أيضا جراء الزيارات العسكرية الأميركية المتكررة والثناء المبالغ فيه لقيادة الجيش الباكستاني على الرغم من وجود أدلة موثوق بها على تورط باكستاني رفيع المستوى في الإرهاب العابر للحدود الموجهة ضد الهند. والانطباع السائد بعد ثلاثة أيام من المحادثات غير الرسمية التي نظمتها في الهند «أسبن ستراتيجيك غروب» مع مسؤولين ومحللين هنود، هو أن باكستان أصبحت مشكلة من الدرجة الثانية بالنسبة للهند، في الوقت الذي تستحوذ فيه على اهتمام متزايد في واشنطن. وما وصفه أحد المحللين الهنود على أنه «التنبيه النووي لأوباما» يعطي أيضا باكستان قدرة متزايدة على التأثير على واشنطن.

وفي الفترة الأخيرة، نقلت الهند القوات بعيدا عن الحدود الباكستانية في الوقت الذي عززت فيه من نشر القوات على المناطق الحدودية التي تدعي الصين الحق فيها عبر خطابات عدوانية مثيرة للمشاكل. وفي انحراف عن سياستها السابقة القائمة على رفض وجود قواعد أجنبية في المنطقة، قامت الهند بضمان نيل الجيش تصريحا بالمرور عبر ونشر قوات في قاعدة جوية في طاجيكستان. وبالغت حكومة سينغ في الترحيب برئيس الوزراء الياباني الجديد يوكيو هاتوياما في زيارة قام بها إلى البلاد مؤخرا لمدة ثلاثة أيام وشملت الإعلان عن خطط لعقد مناورات عسكرية مشتركة في المحيط الهندي.

تعد تلك مؤشرات واضحة على أن الهند تأخذ احتياطاتها، حيث تسعى لحشد حلفاء استعدادا للسيناريو الأسوأ في حين تعمل على استيعاب الصين فيما يخص القضايا الاقتصادية. وأسهم في هذه السياسة الهندية إخفاق إدارة أوباما في إعادة التأكيد بوضوح على أن صعود الهند يخدم المصالح الاستراتيجية الأميركية. وهذا خطأ ينبغي للرئيس تصحيحه سريعا، من أجل خدمة رؤيته الخاصة بنظام عالمي جديد متمركز على المحيطين الهادي والهندي.

* خدمة «واشنطن بوست»