تحية إلى أمن دبي

TT

كالجراح الماهر، يواصل رئيس شرطة دبي ضاحي بن خلفان، تشريحه الدقيق لملابسات جريمة اغتيال المسؤول الفلسطيني في حركة حماس، محمود المبحوح، فهاهي الأسماء والصور ووثائق السفر وبطاقات الائتمان وصور الفيديو، في المواقع كافة التي كانوا فيها، وحركات البيع والسداد والوصول والسفر والتنقل والإقامة تفضح جهاز المخابرات الإسرائيلية «الموساد»، وتسمر لسان وزير خارجيتها ليبرمان، الذي كان وحيدا يقول إنه لا دليل على تورط إسرائيل في قتل المبحوح، «لاحظ: هو لا ينفي أن إسرائيل ارتكبت الجريمة، ولكن ينفي وجود دليل!». الإعلام الإسرائيلي اليوم بات في طليعة منتقدي جهاز الموساد، وأول من يدين دوره في هذه الجريمة، ويواصل هو الآخر كشف الوقائع وإبراز أوراق الثبوتية الإسرائيلية لمن شارك في المهمة القذرة هذه.

إسرائيل حتما لم تكن تتوقع أن تتعرى وتفتضح أمام العالم بهذا الشكل وبهذه السرعة، هي حتما اعتقدت أن دبي مشغولة بهمومها «المالية»، وتركز على أولويات السمعة الاقتصادية، ولن تلتفت إلى مجموعة من زوار دول أوروبية صديقة، على العكس، ستكون على أهبة الاستعداد لتقديم الوجه المضياف لهم في ظروفها الصعبة هذه، ولكن جهاز دبي الأمني أثبت أن القيمة الأهم لهذه الإمارة الصغيرة، يتفوق على قيمة الدعم الاقتصادي والتسهيلات الاستثمارية، فهو قد حقق «انتصارا» معنويا ضد إسرائيل، وفضح بشكل موثق عملية قذرة من عملياتها المعروفة حول العالم في حق أرتال من العرب، وسجلها في هذا بات معروفا ومفضوحا للكثيرين.

وفي يوم من الأيام، ستروى قصة الكشف عن تفاصيل جريمة الاغتيال والمجهود الأمني المنظم والعمل الدقيق الموثق، وقد توثق في كتاب أو حتى في عمل درامي للتلفزيون أو السينما. حسنا فعلت دبي «الأمنية» ما فعلت، وكانت «شفافة»، تقدم الوقائع أولا بأول للعالم، كل دليل يتبعه آخر بشكل لا يمكن معه إلا احترام القائمين على هذا الجهاز، وتقديرهم. كان لا بد أن توجه دبي رسالة واضحة إلى العالم أنها لن تقبل بأن تكون مرتعا مناسبا لتصفية الحسابات، فهي لليوم لا تزال تحاول «إزالة» سلبيات اغتيال الفنانة اللبنانية سوزان تميم، التي قضت في جريمة بشعة، ولا من جريمة «تصفية» المعارض الشيشاني. دبي تفتخر بأنها أرض الأعمال وإزالة الصعوبات في طريق الاستثمار، ولكنها اليوم لها الحق أن تفتخر بجهاز أمن يقظ، أحرج وفضح دولة إسرائيل، وجهاز مخابراتها. المطلوب استمرار الضغط المعنوي، وكشف المزيد من «الأدلة» بحق المجرمين الذين قاموا بذلك. ودبي بما فعلته تحرج دولا أخرى، اغتيل فيها رؤساء وزراء، وصحافيون، ونواب، ومسؤولون من دون إدانة ولا دليل ولا شاهد! الحضارة ليست فقط بالكلام والشعارات، هي بترسية دولة المؤسسات والقيادة الجادة.. وما حدث في دبي أمنيا هو مشهد حضاري فعلا.

[email protected]