البعد الآيديولوجي في قمة دمشق

TT

الصورة التي نشرتها «الشرق الأوسط» السبت الماضي لقمة دمشق الثلاثية: الرئيسين أحمدي نجاد وبشار الأسد وأمين حزب الله حسن نصر الله، تحتاج إلى تأمل عميق طبعا، ليس في قامة الرئيس السوري الفارعة ولا إلى لحية السيد حسن التي غزاها الشيب حتى كاد يختفي سوادها، وإنما إلى تأمل واستشراف لمستقبل هذا الحلف الذي جمع الثلاثة، وبعبارة أدق الحلف الذي جمع سورية بإيران، وأما حزب الله فلا يعدو أن يكون عجينة خبزتها إيران على الصاج اللبناني الملتهب.

لم يفهم بعض المراقبين أن تطلب وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون من سورية الابتعاد عن إيران وهي التي تدرك متانة العلاقة وتجذرها بين «حكومتين»، وأركز على مفردة «حكومتين»، يجمعهما أكثر من مصالح سياسية آنية، إن علاقة إيران وسورية ليست علاقة ليبيا وتشاد، تقوى العلاقة بينهما وتنهار حسب الأجواء السياسية والمزاجات الشخصية، بل هي علاقة تعطي نموذجا لأهمية «الانتماء الآيديولوجي» في ثبات التحالفات واستقرارها رغم المتغيرات وعوادي الزمن.

لقد راهن كثير من المراقبين وبنظرة سطحية على أن التحالف الإيراني السوري سينهار لا محالة بعد زوال حكم صدام في العراق أو في أقل أحواله سيضعف تدريجيا، وبنوا نظريتهم على أن صدام كان خصما لدودا لكلا البلدين، عفوا لكلتا «الحكومتين»، إلا أن الأيام التي أعقبت انهيار حكم صدام أثبتت أن هذا التحالف أبعد مدى وأعمق جذورا من أن يكون آنيا أو مرحليا، حتى إن الرئيس السوري سخر في تصريحات القمة الدمشقية الأخيرة من مطالبة كلينتون بابتعادها عن إيران، كما نقل ذلك الزميل طارق الحميد في مقاله السبت الماضي، وألحق الأسد القول بالفعل فوقّع البلدان في دمشق اتفاقية إلغاء تأشيرات.

لقد تطورت العلاقات السورية الإيرانية تطورا شمل كل الجوانب الاقتصادية والثقافية وترجمت هذه العلاقة الوطيدة من خلال مجموعة من اتفاقيات تجارية وثقافية بين البلدين، وتعد المستشارية الثقافية الإيرانية أنشط مستشارية تعمل في العالم العربي، كما انتهزت إيران فرصة وجود مقدسات شيعية في سورية لتجعل من دمشق نقطة لقاء لقادتها ورموزها الدينية والفكرية بكثير من الرموز الشيعية المعارضة لعدد من دول المنطقة، ومع أن نظام الحكم في سورية بعثي أي «لا ديني» وهو ما يمثل تناقضا ظاهريا مع نظام الحكم الديني في إيران، والسوريون عرب ونظراؤهم الإيرانيون فرس، فإن الآصرة المذهبية هي في النهاية الأقوى والأثبت، وهو ما لم يستوعبه أو يفهمه عدد من المحللين العرب والغربيين.

يقابل هذا التحالف القوي والمتماسك، عالم سني ينتشي بأغلبيته الساحقة في العالم الإسلامي، لكنها كثرة لم تغنِ عنهم شيئا، فليس في طول العالم الإسلامي وعرضه دولة تضارع إيران في نفوذها «الآيديولوجي» وسطوتها العسكرية، ومهما سخر الإعلام العربي من الصراعات الداخلية في إيران وما يسميه بحكم الملالي فإن الأيام أثبتت أن لدى الإيرانيين قدرة هائلة في التخطيط والتأثير والنفوذ، واستطاعت بدهائها أن تتلاعب بالعالم الغربي وأن تماطل في موضوع قدرتها النووية التي ستسخرها حتما في تعزيز نفوذها الآيديولوجي، فيما عدد من حكومات العالم السني لا تزال تتصارع مع نخبها الداخلية لإثبات انعتاقها من انتمائها الإسلامي، فتاهت هوياتها وغرقت في خلافات أفشلتها وأذهبت ريحها وتركت لإيران ومن دار في فلك إيران أن يكونوا لاعبين رئيسيين، وهذا ما نطقت به الصورة الفوتوغرافية التي أشرت إليها في بداية المقال، والعبرة في النهاية في «كيفٍ» مؤثر لا في «كمٍّ» متهالك.