شكرا للسيد طارق الهاشمي.. «ولكن»

TT

ما ورد في مقال نائب رئيس جمهورية العراق السيد طارق الهاشمي في «الشرق الأوسط» في 25 فبراير (شباط) الماضي يستحق التوقف، ليس لأنه كتب من قبل مسؤول رفيع لا يزال في موقعه وكان مثيرا للجدل في الكثير من المواقف، التي دعت البعض إلى المطالبة باجتثاثه، «بتهمة» البعثية التي لم ينتم إليها، والإرهاب الذي قتل ثلاثة من أشقائه، بل لأن ما ورد يشكل كشفا مهما لخطورة الموقف. وهنا سأوجه الكلام إليه.

عرفناك يا أبا زياد قبل خمسة وثلاثين عاما عندما كنا ضباطا تلاميذ في كلية الأركان، وكنت معلما، ولم تكن مثلنا بعثيا ولا من الأجهزة الخاصة. وعرفتك أكثر في رئاسة ما بعد 2003 قبل أن تصبح في موقعك، ففي شدة تصاعد العنف لا أنسى كيف جئت والدكتور إياد السامرائي إلى الرئاسة طالبين تعزيز وضعكم الأمني، حيث تبين أنكم كحزب إسلامي لا تملكون إلا بندقيتين صدئتين، وحتى أنت لم يكن عندك أي سلاح شخصي. ولا أدري كيف يكون إرهابيا من لا يملك مسدسا؟

أشهد أنك كنت خلال فترة وجودي في الرئاسة صلبا لا تحيد عما تؤمن به، مدافعا عن كل العراقيين، خاصة الشريحة التي كانت ولا تزال «وستبقى» مستهدفة ما دام الطائفيون في مواقعهم. وأكثر ما أعجبت به قبولك الائتلاف تحت زعامة الدكتور إياد علاوي للجبهة الليبرالية الوطنية وهو يستحق هذا التكريم.

استوقفتني عبارة طالما رددتها أنا أيضا، وهي تسليط الضوء على الخطر الذي تمثله هيمنة البعض على المؤسستين الأمنية والعسكرية، وعدم مطالبتك بإقصاء القادة العسكريين الحاليين على الرغم من الميزان الطائفي في اختيارهم، بل طالبت بإنصاف أقرانهم من الضباط. وهذا هو مربط الفرس. لكن هيهات أن يفعله من جُبل على الفئوية والطائفية. مع ذلك يبقى مرد إخوانكم القادة العسكريين من أي لون إلى وطنهم، والمأمول منهم عدم الانسياق وراء قرارات جائرة مثلومة الوطنية.

«لكن»، وهي كبيرة ولا تخلو من المرارة:

لماذا لم تساندوا في الحزب الإسلامي قبل أن تنفصل عنه، وفيكم شخصيات قيادية وطنية لا غبار عليها، المساعي التي بذلت لسحب الثقة من حكومة فريق «الدعوة» المصغر؟ إن كنتم قد سعيتم فقد لا يكون مناسبا ترك كشفه للتاريخ.

ولماذا لم تمارس دورك وعلاقاتك ونفوذك في إقناع وجر رفاقك في الحزب الإسلامي للاصطفاف «كحزب» مع «القائمة العراقية»؟ ولماذا لم تكن معكم كتلة الوزير البولاني، الذي سجلت له مواقف وطنية ليبرالية؟ وهل يعقل عدم قدرتكم ورفاقكم على إقناع أشخاص مشتتين تنقص بعضهم الخبرة السياسية في أن يكون صوتهم مع القوى الليبرالية؟ ألا يضعف هذا التشتت النسبي فرص فوزكم في التسلل الأول في القوائم؟ وهل يجوز أن يحصل قسم من مشتتي الأصوات الليبرالية على دعم من أطراف عربية ولم يكن لكم دور في التوضيح العلني والسري ضمن السقف الديمقراطي؟

لديكم مبالغ كبيرة للمنافع الشخصية، وكنت «تمون» على صديقكم الرئيس طالباني في موارد إضافية. فلماذا لم تشكل يا أبا زياد مؤسسة حقوقية تتابع مظالم الناس والآلاف الذي اختطفوا وزج بهم في سجون سرية لا أحد يعرف عنها شيئا، وقد أشرت إليها في أحد تصريحاتك؟ ألا يتطلب وضع كهذا وضع العالم على المحك للتصرف لوقف التغييب القسري؟

ألا تعتقد يا سيادة النائب أن كثيرا من الشخصيات السياسية انشغلوا بمغانم ومكاسب، واكتفوا بتصريحات وتهريجات غوغائية صمت آذان الآخرين عنها؟ فلماذا لم توحدوا صفوفكم وتكشفوا النفعيين الغوغائيين الذين لا يسعون إلا إلى مصالحهم الشخصية وهوسهم بجاه لا يبنى إلا بالعطاء والممارسات الصحيحة؟

هذه أيام مهمة من تاريخ بلدكم، ولا أقول فاصلة، لأن العراق أكبر من أن تهز هويته وموقعه حالة عابرة ربما أرادها الله عبرة للناس. ولا يزال ينقصكم تثقيف أبناء شعبكم علنا وبصوت مدو ومتكرر بأن تشتيت الأصوات سيؤدي إلى مضاعفات «أقلها خطرا» عرقلة تشكيل الحكومة المقبلة، وإطالة المدة اللازمة لتشكيلها وربما ولادتها كسيحة.

لقد حظيت قائمتكم بزعامة الدكتور علاوي بدعم عربي غير مسبوق، فجسدوا ذلك للعراقيين بأن نجاحكم يشكل البوابة الكبرى لإعادة دمج العراق في محيطه العربي، الذي يفتح لكم أبواب العالم كلها.

الحديث طويل، وأختصره بهذا، راجيا تفسيره على أساس الحرص والمحبة. وأنت ورفاقك تستحقون كثيرا من ثناء لا أجيده.