زيارة السجين؟

TT

كما حصل في مرات سابقة انتهت قضية الدعوة التي وجهها وزير الأوقاف الفلسطيني إلى شيخ الأزهر خلال وجوده في مصر أواخر فبراير (شباط) الماضي لزيارة المسجد الأقصى والقدس دعما للفلسطينيين، برفض لقبول الدعوة وجدل وهجوم متبادل تخللته عبارات قاسية عن التطبيع والمطبعين دون أن يقدم أحد رؤية واقعية لما يمكن تقديمه لمساعدة الفلسطينيين هناك والحفاظ على وجودهم وممتلكاتهم.

الوزير الفلسطيني اعتبر أن زيارة السجين ليست تطبيعا مع السجان، مقترحا أن تكون الزيارة في ذكرى الإسراء والمعراج في يوليو (تموز) المقبل, ولكن حجته لم تلقَ صدى قويا, وأطلق المعارضون سيلا من الهجمات الكلامية.

وهو موضوع قديم جديد, فكل فترة يصدر تصريح من هنا أو هناك بضرورة أن يكون هناك تحرك لتأكيد حق المسلمين في زيارة الأقصى, وإشعار سكان المدينة من الفلسطينيين بأنهم ليسوا وحدهم, وفي كل مرة يبدو أن التيار الشعبوي المعتمد على الشعارات والكلام الذي لا يسمن ولا يغني له اليد العليا في إسكات الأصوات الأخرى , بينما تبدو الأطراف المعنية تقدم رجلا وتؤخر أخرى في رد فعلها, وبدلا من اتخاذ موقف شجاع والدفاع عنه إذا آمنت به، تفضّل تجنب الجدل والاتهامات بالتخوين والتطبيع إلى آخر القائمة.

فلم يكن وزير الأوقاف الفلسطيني هو أول من طرح الفكرة, فقبله بسنوات طرحها وزير الأوقاف في مصر, ومسؤولون فلسطينيون, واقترحوا التوجه إلى المسجد الأقصى والصلاة هناك من أجل دعم الفلسطينيين وتأكيد التراث العربي والإسلامي للمدينة, وفي كل مرة تنتهي المسألة بلا شيء بينما يستمر التآكل في هذه الهوية الإسلامية والعربية للمدينة, وتتآكل حقوق الفلسطينيين هناك.

ومفهومٌ أن المشكلة الرئيسية بالنسبة إلى كثيرين هي أن الزيارة ترتبط بتأشيرة إسرائيلية باعتبار أن القدس والمسجد الأقصى خاضعان للاحتلال من عام 1967, لكن في الوقت ذاته فإن أحدا لم يفكر في حلول عملية إذا كانت هناك نية لعمل حقيقي واقعي يريد أن يقدم دعما للأقصى والفلسطينيين في القدس, بدلا من تركهما للزمن والتآكل حتى يفقد العرب والمسلمون حقوقهم فيهما. وهذا ينطبق أيضا على المسيحيين العرب الذين يريدون زيارة أماكنهم المقدسة في الأراضي المحتلة.

فهذه الأماكن هي, وفق القانون والعرف الدوليين, ليست ملكا لدولة أو شعب معين بل هي أماكن مقدسة يخص بعضها عموم المسلمين, والآخر عموم المسيحيين, وهي أيضا جزء من التراث الإنساني, ومسؤولية الحفاظ عليها وتأمين حرية زيارتها يجب أن تكون مسؤولية دولية.

بعبارة أخرى فإنه بدلا من الاكتفاء بخطابات الاتهام بالتطبيع والتخوين, ثم الجلوس على المقاهي منتشين بما نتصور أنه واجب وطني, لماذا لا يتم التفكير في تحرك مع المجتمع الدولي ومؤسساته, لإيجاد ترتيبات خاصة مع السلطة الفلسطينية وإسرائيل لمن يريد الذهاب لزيارة الأقصى والأماكن الأخرى المقدسة من المسلمين أو المسيحيين العرب, ولا يُتصور أن أحدا يستطيع أن يقف أمام ذلك دون أن يخاطر بسمعته وصورته على المستوى الدولي.

الفكرة ببساطة هي إجهاد الذهن قليلا والتفكير في حلول خلاقة بدلا من الركون إلى الاستسهال ودغدغة المشاعر، بينما على الأرض ترتفع فاتورة الخسارة يوما بعد يوم.