انتخابات السودان.. محاولات شراء الجنوب؟

TT

الهدف المعلن للزيارة الحالية التي يقوم بها الرئيس السوداني عمر البشير إلى جنوب البلاد، هو تدشين حملته الانتخابية، لكن ما هو غير معلن أنها تتزامن مع محاولات محمومة تجري لشراء أصوات الجنوب، في الانتخابات الرئاسية المقررة الشهر المقبل. ووفق هذا السيناريو، فإن هناك ضغوطا على الحركة الشعبية لسحب مرشحها ياسر عرمان من انتخابات الرئاسة المقبلة، لصالح البشير، مقابل مقايضات ووعود معينة في ملفي الحدود والنفط، وهي تنازلات تغلف تحت ستار أنها خطوات تتم دعما لخيار الوحدة، في استفتاء تقرير المصير في جنوب السودان، بداية العام المقبل.

واستنادا إلى المعلومات من الخرطوم وجوبا، فإن هذه الرسالة حملها عدد من مسؤولي الحكومة المركزية وقياديي المؤتمر الوطني الحاكم، ومن بينهم نائب الرئيس علي عثمان محمد طه، ومستشار الرئيس لشؤون الأمن صلاح غوش، خلال زيارات إلى الجنوب أخيرا. كما ستكون الرسالة نفسها جزءا مهما من زيارة البشير الإنتخابية إلى الجنوب. لكن الحركة الشعبية سارعت بالرد عبر عدد من مسؤوليها على مطلب الحكومة، بإعلانها تمسكها بمرشحها للرئاسة، وبرفضها سحبه من المنافسة، مشيرة إلى أن اختياره تم بقرار من المكتب السياسي للحركة، وضمن الخيار الديمقراطي الذي يفترض أن يكون تعدديا، ويمهد الأجواء لاستفتاء العام المقبل.

واللافت أن الحكومة قامت بعدة خطوات خلال الفترة القليلة الماضية بهدف استمالة الجنوبيين وشراء تأييدهم، فقد تسارعت فجأة وتيرة زيارات كبار مسؤولي الحكومة إلى الجنوب، وتحركت الجهود التي كانت قد تعثرت وتباطأت لفترة طويلة، لاستئناف المفاوضات بين شريكي الحكم (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية)، ومعالجة الملفات المؤجلة والخلافات العالقة بين الطرفين، فتم التوصل إلى تسوية بشأن التعداد السكاني المختلف عليه بين الجانبين، وقدمت الحكومة ترضية للجنوب بمنحه أربعين مقعدا اضافيا في البرلمان الوطني المركزي، بما يرفع عدد مقاعده إلى الرقم الذي يعطيه حق الفيتو على أي تعديلات دستورية جديدة. فالحركة الشعبية كانت تتشكك في نوايا شريكها المؤتمر الوطني، وتتخوف من احتمال ادخاله تعديلات دستورية بعد الانتخابات تؤدي الى تأجيل أو عرقلة استفتاء تقرير المصير المقرر في يناير 2011.

كذلك أعلن المؤتمر الوطني عن «تنازله» عن المنافسة في انتخابات رئيس حكومة الجنوب، قائلا إنه يفعل ذلك لمصلحة شريكه (الحركة الشعبية ورئيسها سلفا كير). لكن الواقع أن المؤتمر الوطني الحاكم كان يأمل أن تقوم الحركة الشعبية في المقابل، بعدم طرح مرشح ينافس البشير في انتخابات رئاسة الجمهورية، بل إن بعض المقربين من الرئيس السوداني ذهبوا أبعد من ذلك، وطلبوا من الحركة الشعبية الدخول في تنسيق انتخابي واسع، وذلك بهدف السيطرة على الانتخابات ونتائجها، وتهميش القوى السياسية الأخرى، خصوصا القوى المعارضة في الشمال التي كانت قد توصلت إلى اتفاق تنسيقي مع الحركة الشعبية، عرف باسم تحالف جوبا، وهو تحالف قد يؤدي إلى اتفاق القوى السياسية المنضوية تحته على تقديم مرشح واحد ينافس البشير في انتخابات الرئاسة. لكن الحركة الشعبية رفضت فكرة التحالف الانتخابي مع المؤتمر الوطني، وشككت في خطوته بالامتناع عن تقديم مرشح لانتخابات رئاسة حكومة الجنوب، قائلة إنه يفعل ذلك ليس لدعم سلفا كير وإنما لدعم منافسيه في انتخابات الجنوب.

إن السيناريو الذي يسبب القلق للمؤتمر الوطني الحاكم هو أن أصوات الجنوبيين ستمنع فوز البشير من الجولة الأولى، كما أن احتمالات تحالف كل قوى المعارضة مع الجنوبيين وتقديم مرشح واحد لانتخابات الرئاسة، ستشكل تحديا انتخابيا خطيرا قد يدفع الأوضاع إلى سيناريو شبيه بما حدث في إيران، تنتهي فيه الانتخابات بالتشكيك، وبشرعية ناقصة ومعارضة متزايدة. من هنا يتحرك المؤتمر الوطني الحاكم بالضغوط تارة، وبالإغراءات تارة أخرى، في محاولة لـ«شراء» الجنوب قبل الانتخابات، مع رسالة مبطنة مفادها أن الحزب الحاكم هو الوحيد القادر على ضمان استفتاء الجنوب في موعده، وضمان تنفيذ نتيجته حتى لو جاءت بالانفصال. ومع عدم نجاح هذه المحاولات، لن يكون مفاجئا إذا اتجه المؤتمر الوطني لقبول الدعوات الخافتة الآن لتأجيل الانتخابات، وهو تأجيل قد ينطوي على الكثير من المحاذير لمختلف الأطراف.