شيء من البداوة

TT

البدو إلى عهد قريب ومع بداية القرن العشرين لم يكونوا يفقهون في أمر دينهم الكثير، فطبيعة حياتهم القاسية والمتنقلة التي لا تستقر في مكان جعلت لها نمطا فريدا من الجهل والقيم والسلوك.

ومن غرامياتي التي لا أنكرها هي حبي لقراءة كتب الرحالة الذين تقاطروا على جزيرة العرب في مختلف العصور، وها هو الرحالة المغربي عبد الله العياشي، الذي حج قبل أربعة قرون، يتحدث عن انطباعاته عن البدو الذين صادفهم بالمدينة المنورة ويقول:

وقد خلق كثير من الأعراب وأكثرهم عرب جفاة ليس لهم من دين ولا مذهب (؟) جلهم لا يعرف صلاة ولا صياما، فتدخل جماعة منهم المسجد غاسلين أطرافهم يريدون الصلاة على زعمهم. فيقف أحدهم مليا ثم يسجد على قدر ما يرى إما ثماني سجدات أو عشر سجدات أو أكثر على حسب نشاطه! ثم ينصرف. وغالبهم على هذا الوصف، ومنهم أفراد يدينون بدين الحق وسلامهم على النبي صلى الله عليه وسلم: «حيا الله محمد».. رافعين بها أصواتهم! وأخبرني شيخنا الملا إبراهيم عن الشيخ القشاش أنه بينما هو ذات يوم عند المواجهة (يقصد أمام قبر النبي صلى الله عليه وسلم) إذ جاء أعرابي في شملته وبيده عصا حتى وقف أمام الوجه الشريف، فضرب بعصاه الأرض مرتين وهو يقول: يا محمد! يا محمد! لا تقُل أنا ما جئتك! ها أنا. وذهب ولم يزِد على ذلك!

وكان الشيخ يقول: عسى أن يكون ذلك نافعا له عند الله فإن ذلك مبلغ علمه.

أخبرني مخبر عن عرب الدرب أنه سأل بعضهم صام أم لا، وهو رجل كبير كهل، فقال: إلى الآن لم أصُم، لكن أبي صام ثلاثة أيام.

فبعضهم امتهن سلب الحجاج إما طوعا أو كرها وهم يقولون: رزقنا على الحاج، ورزق الحاج على الله، بل إن الأم قد ترقّص طفلها قائلة: يا بو عيون لجاج، تكبر وتنهب الحاج.

غير أن للرحالة السويسري بوركهاردت، الذي قدم للجزيرة العربية في القرن الثامن عشر، رأيا مختلفا في البدو، وهو يقول عنهم:

ومن المؤكد أن العرب الرحّل يتصفون بالحكمة والفطنة بدرجة أكبر ممن يعيشون في المدن، فرؤوسهم دائما صافية وأرواحهم لم تلوثها المجون بعد، وآذانهم الحرة لم تفسدها العبودية، وإني لمحق إذ أقول إن هناك القليل من الأمم التي تتوفر لها صفات طبيعية انصهرت معا مثلما يوجد لدى البدو، وهم في مجال الملاذ الحسية معتدلون ومنضبطون للغاية، فإذا كان لدى العربي كفاية في الزاد فإنه لا يعبأ بنوعيته ولا بتلك الإضافات التي نسميها - مباهج المائدة - وفي ما يتعلق بالنساء نجد العربي عادة يعيش حياة رضية مع زوجته، وحالات الخيانة الزوجية نادرة جدا، وليس للبغاء العام مكان في مخيمات العرب، والبدوي غيور للغاية على نسائه، ولكنه لا يحرمهن من الضحك واستقبال الضيوف والحديث معهم.

[email protected]