كأن توت عنخ آمون ما زال حيا يُرزق!

TT

تصورت أن «توت عنخ آمون» ذلك الفرعون الصغير ما زال حيا يُرزق... رغم أنه غادرنا منذ أكثر من 35 قرنا من الزمان.. ما سر هذا الهوس الإعلامي والتاريخي والعلمي بهذا الفرعون الذهبي الصغير؟ فلم أكن أتصور للحظة زمان واحدة كل هذا الاهتمام الهائل من جانب وسائل الإعلام بمؤتمر صحافي مهما كان موضوعه مثلما شاهدت منذ أسابيع قليلة حينما دعوت لمؤتمر صحافي في المتحف المصري لإعلان نتائج الاكتشافات الخاصة بعائلة الفرعون الذهبي «توت عنخ آمون».. امتلأت ساحة المتحف المصري المقابلة للمدخل الرئيسي بكاميرات التلفزيونات العالمية ومندوبي وكالات الأنباء، والجميع ينقل وقائع المؤتمر على الهواء مباشرة إلى كل دول العالم. وفي الليلة السابقة للمؤتمر كنت ضيفا على برامج تلفزيونية يقدمها مشاهير الإعلاميين، أحدها كان يُنقل مباشرة إلى أميركا، وآخر يُنقل على الهواء مباشرة إلى العالم كله. ولا أتذكر عدد الأحاديث والمقابلات التلفزيونية التي أجريتها مع أكثر من 25 محطة تلفزيونية مختلفة، هذا الاهتمام هو بالطبع دليل على سحر الحضارة المصرية القديمة واهتمام العالم كله بالفرعون الذهبي الصغير الذي لا تزال حياته ووفاته سرا من أسرار هذه الحضارة العظيمة. ولقد جاءت الاكتشافات الجديدة لتلقي مزيدا من الضوء على حياة وعائلة الفرعون الصغير «توت».. وكذلك لتنفي عددا كبيرا من نظريات لباحثين وعلماء جاءوا بأكثر من سبب لوفاة الملك «توت» في هذه السن الصغيرة، نحو ثمانية عشر عاما، ومنها ما ادّعى أن الملك الصغير قد اغتيل، كذلك جاءت الاكتشافات الجديدة لتبين لنا وبشكل قاطع مَن عائلة الملك توت. وكان السؤال الدائم لمعلقي البرامج التلفزيونية والإذاعية هو: لماذا توت عنخ آمون بالذات؟ وكان الرد بالطبع لأن الملك «توت»، يعرفه الصغير والكبير في كل العالم، ولو سُئل طفل صغير لم يبلغ من العمر ثماني سنوات عما يعرفه عن مصر لقال على الفور: «توت عنخ آمون» أو الفرعون الذهبي.. لنا أن نتصور حجم الدعاية التي حصلنا عليها لمصر بالمجان، وهو مكسب إعلامي وسياحي ضخم، انعكس على حجم السياحة إلى مصر بعد هذه الدعاية الضخمة والذي ظهر في عدد الحجوزات السياحية سواء لهذا الموسم أو للمواسم القادمة.. وقد أخبرني كل الإعلاميين والمعلقين على البرامج التلفزيونية والإذاعية برغبتهم في المجيء إلى مصر لكي يشاهدوا هذه الاكتشافات العظيمة التي هزت العالم كله.. وبعيدا عن مكاسب هذه الدعاية الضخمة فقد حدثت أشياء أخرى بعضها يدعو إلى الأسف وبعضها يثير الضحك.. فقد حدّثني الدكتور عبد الحليم نور الدين قائلا إن أحد الأشخاص يقول في كل مكان إنه أول من قام بدراسة المومياوات باستخدام تقنية «الحمض النووي».. ولم أجد أمامي غير الضحك لأن المشروع المصري لدراسة المومياوات الذي أشرُف برئاسته هو أول من استخدم تحليل الحمض النووي لدراسة المومياوات وقمنا ببناء أول معملين للحمض النووي بمصر فقط لدراسة المومياوات! وقلت للدكتور عبد الحليم نور الدين إنني أتوقع بعد هذا الاهتمام العالمي الكبير بما حققناه من اكتشافات أن يظهر طابور أعداء النجاح وبعض مجانين الشهرة في محاولة لحشر أنوفهم في ما آلت إليه أبحاثنا، ويأتي النشر العلمي متوجا لما قمنا به من عمل وجهد على مدار أكثر من عامين، وقد قُبل البحث العلمي الذي تقدمنا به للنشر من خلال مجلة «JAMA» العلمية بعد أن راجعه نخبة من العلماء المعروفين على المستوى العالمي. ولقد كان من المغالطات التي سمعناها القول بأن نتائج الـ«DNA» مؤكدة بنسبة 40% فقط.. وهذا بالطبع غير صحيح، فإن نتائج تحليل الحمض النووي في حال اتخاذ كل الاحتياطات العلمية تثبت بنسبة مائة في المائة.. فعن طريق الـ«DNA» عثرنا على مومياء الملكة «تي» وهي مومياء موجودة داخل المقبرة 35 بوادي الملوك، وكان بعض العلماء قد قاموا بأخذ عينة من الشعر الذي عثر عليه هيوارد كارتر داخل مقبرة «توت عنخ آمون» في صندوق كُتب عليه اسم الملكة «تي»، وتم تحليل الشعر ومقارنته بشعر هذه المومياء، واتضح التشابه الكبير بينهما، ثم جاء تحليل الحمض النووي ليؤكد أن هذه المومياء هي خاصة بالملكة «تي»... إنني أدعو من قلبي إله الشر «ست» أن يصمت هذه المرة!