المبحوح وريغي بين الموساد والفافاك

TT

أعرف سلفا أن المصادفات مهما بدت غريبة لا يفترض أن نؤسس عليها حقائق، لكن في الوقت نفسه أيضا يصعب على أي محلل أن يتجاهلها، خاصة أننا نفتش في الظلام عن معلومات ناقصة. والمصادفات كثيرة في قضيتي اغتيال قيادي تنظيم حماس، محمود المبحوح، وخطف زعيم جماعة جند الله البلوشية الإيرانية، عبد الملك الريغي. فالمبحوح اغتيل في دبي يوم عشرين يناير (كانون الثاني) بعد سنوات من مطاردته، وريغي خطف في الجو في 23 فبراير (شباط). أي أن الحادثتين وقعتا في غضون شهر واحد، في مصادفة لافتة جدا.

الموساد الإسرائيلي غزا دبي بأكثر من ثلاثين عميلا لتنفيذ الجريمة، كما أن الفافاك أو السافاك، جهاز المخابرات الإيراني، لاحق ريغي منذ مغادرته مطار دبي في طريقه إلى جمهورية قيرغيزستان وتم إجبار الطائرة على الهبوط في مطار بندر عباس.

أما الرابط الثالث فهو في إيران، حيث إن المبحوح جاء إلى دبي في طريقه إلى طهران، وريغي مرت طائرته في إيران.

الحادثتان غريبتان، وأثارتا اهتمام الإعلام العالمي بسبب الكم الكبير من المعلومات التي فضحتها شرطة دبي عن منفذي الجريمة عناصر الموساد، وبسبب الاحتفال الصاخب الذي دوى في سماء إيران. والحقيقة.. بقدر أن دبي شعرت بالقلق من استخدام أراضيها لأغراض إجرامية، وحرصت على أن تتبنى موقفا معاديا وحاسما ضد الإسرائيليين، فإن الحادثة أيضا منحت دبي سمعة عظيمة في مجال مكافحة الجريمة، وقدمتها كنظام حديث متطور بعد أن كانت تتهم قبل أسابيع بأنها لا تعرف كيف تدير اقتصادها. أما الإيرانيون فقد جاء القبض على عدوهم زعيم جند الله انتصارا باهرا لم يدخروا وسعا في استخدامه لتذكير خصومهم في الداخل والخارج بقدراتهم الأمنية. احتفال مفيد للنظام الإيراني الذي يعيش ضائقة خطيرة بسبب نشاط المعارضة الداخلية والخارجية ضده الذي شوه سمعته. والحق يقال أن الاثنتين تمثلان انتصارا أمنيا باهرا، فقدرة دبي على اكتشاف تفاصيل الجريمة التي ارتكبها عملاء واحد من أشهر أجهزة الاستخبارات في العالم إنجاز لا يمكن الاستهانة به. كما أن قدرة الإيرانيين على رصد خطوات عدوهم زعيم جند الله حتى خطفه جويا لا يستهان بها، فملاحقتهم له كانت دقيقة لأنه لم يقف سوى ساعتين ترانزيت في مطار دبي الدولي، ولم يدخل الدولة. مما يعني أنهم كانوا يتعقبون أثره منذ الرحلة الأولى من أفغانستان ربما، أو قبل ذلك وحتى مر في أجوائهم، وربما أن رجال الأمن الإيراني هم من احتالوا عليه من حيث لا يدري، ودفعوه باتجاه ركوب الطائرة القرغيزية التي تمر بالأجواء الإيرانية ليجبروها على الهبوط واعتقاله. وبالتالي من الذي دفع ريغي ليركب هذه الرحلة المشؤومة؟ وبالطريقة نفسها من الذي دفع المبحوح، وهو رجل يتولى مهام خطرة مثل صفقات سلاح وجمع أموال سرية للذهاب إلى دبي في حين كان بإمكانه أن يسافر من سورية مباشرة إلى إيران من دون أن يضطر إلى هذه الرحلة الطويلة عبر دبي ويمضي فيها يوما. الأرجح أن شخصا باع ريغي في أفغانستان للإيرانيين مثلما الأرجح أن عميلا إسرائيليا في تنظيم حماس دفع المبحوح في هذا الخط الجوي.

المثير للاستغراب أن إيران احتجت على قيرغيزستان لأنها نقلت الملاحق على طيرانها في حين يفترض أن القيرغيزيين هم من يحق لهم الاحتجاج على اعتراض طائرتهم في الأجواء وإنزالها بالقوة وتفتيشها واعتقال راكب على متنها هو عبد الملك ريغي الذي كان يحمل جوازا أفغانيا، بحسب الرواية الرسمية الإيرانية. على أية حال هذه مسألة هامشية في معركة كبيرة.

[email protected]