التهويل الإيراني بالحرب هدفه منع تشديد المقاطعة

TT

كأن الحرب واقعة لا محالة. هذا الجو المتوتر حركه، عن قصد، الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قبل أسبوعين تقريبا، عندما أعلن أن إسرائيل ستشن حربا في الربيع المقبل، مضيفا أنه لا يعرف ما إذا كان قرار الحرب صار نهائيا، ولم يقل ما إذا كانت إسرائيل ستشن غارات على إيران. بل حدد لبنان، ثم اتصل بالرئيس السوري بشار الأسد على الهاتف ليخبره بالمعلومة (الكلمة مستقاة من اتهام يوجهه الوزير اللبناني السابق الموالي لسورية ميشال سماحة إلى كل مَن يحذر من الحرب)، وألحق ذلك بزيارة إلى دمشق، تجاوزت كل الأعراف بتعاملها مع لبنان الدولة، على أساس تأكيد الدولتين، سورية وإيران، أن قرار الحرب والسلم ومصير لبنان واللبنانيين بيد حزب الله فقط وبدعم من الدولتين.

ما المنطق الذي ينطلق منه أحمدي نجاد في تهديداته من حرب إسرائيلية على لبنان؟ وحسب مصدر مطلع، فإن السوريين بدأوا منذ نحو أربعة أسابيع بالاستعداد للحرب، ومصادر حزب الله توزع المعلومة نفسها، ودخل على الخط خالد مشعل بالتهديد، وألحق هو الآخر ذلك بالمثول وفلسطينيون آخرون أمام المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي، الذي وعدهم بـ«شرق أوسط إسلامي»، ملغيا بذلك العرب والعروبة، ومبشرا بتهجير من بقي من المسيحيين وواعدا الفلسطينيين، بأنه بهم وبالعرب ستقضي إيران على إسرائيل.

الخطة الإيرانية صارت معروفة: الإيحاء بأن لبنان وسورية وحماس معرضون لهجوم إسرائيلي، وبالتالي فهم في حاجة إلى إيران. كمن تقول لهؤلاء: «وحدكم أنتم ضعفاء، ولا بد لكم من المساعدة الإيرانية». لأنه إذا كانت رياح الحرب تهب حقيقة، فلا بد أن إسرائيل ستشن هجمات على إيران وليس على لبنان وسورية وحماس.

في ندوة سياسية شارك فيها دبلوماسيون وعسكريون غربيون عقدت في لندن، رأوا أن إيران قيّمت بأن الولايات المتحدة لن تشن هجوما عليها، وأن الخطر الوحيد الذي يتهدد منشآتها النووية يأتي من إسرائيل، وبقرعها طبول الحرب يمكن أن تبعد الأميركيين عن اللجوء إلى مضاعفة المقاطعة الاقتصادية ضدها.

في المناقشة، رأى أحد الدبلوماسيين أن إيران تريد حربا على إسرائيل من غزة ولبنان وسورية (إن أمكن) كي تبقى بعيدة عنها. يهم أحمدي نجاد أن تبقى المنطقة متوترة ويستهدف سورية بالذات، إذ هناك دائما توتر بين سورية وإيران على الرغم من وجود التحالف الاستراتيجي. يدرك الإيرانيون أنهم الطرف الضعيف في العلاقة مع سورية. صحيح أن سورية تحتاج إيران كظهر استراتيجي، وتحتاج لـحزب الله كخط أمامي في وجه إسرائيل، مع إيران كظهر وحزب الله كواجهة، تشعر سورية بأنها محمية.

إيران تحتاج سورية، لأنها لا تريد أن تكون معزولة، وهي تهدف إلى إقامة محور يضم: إيران، والعراق، وسورية، ولبنان، والبحرين، واليمن. لكن الإيرانيين يدركون أنه عندما يتكلم السوريون مع الغرب ومع السعودية وحتى مع تركيا، فإن هذا يكون على حساب العلاقة السورية - الإيرانية.

تربط إيران وسورية مصالح مشتركة، لكن لكل منهما مصالح مختلفة في ساحات مختلفة. مثلا إيران تريد العراق تحت سلطة شيعية، وهي تدعم لوائح انتخابية من الشيعة، سورية تدعم شخصيات عراقية، هذا يعطي وزنا للسنّة. في العراق تقف سورية مع السعودية وتركيا، وترى إيران هذا الموقف ضد مصالحها.

وعندما يبحث السوريون لبنان مع السعودية، تتخوف إيران من أن يصب هذا ضد مصالحها، وتضغط على سورية كي تبحث معها في الشأن اللبناني. كذلك الأمر عندما تتحدث سورية مع تركيا، تتخوف إيران من أن الأتراك، الذين تربطهم علاقات مع الغرب، يضغطون على سورية كي تكون أكثر اعتدالا. في الندوة، قال أحد المشاركين: «رأينا بعد الاتفاق الاستراتيجي بين سورية وتركيا وبعد زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى هناك، أن إيران أرسلت، عبر وزير خارجيتها منوشهر متقي، تسأل دمشق: ما الذي يجري، هل أنتم معي وهل يجب أن أقلق؟ وكان الجواب: لا داعي للقلق».

وأضاف: إن السوريين، كعادتهم، يمسكون العصا دائما من الوسط، يعمدون إلى طمأنة كل طرف متوجس، ليكسبوا من كل الأطراف. والخطأ أن كل طرف متوجس، يفضل التصديق فيعطي بذلك الساحة للاعب السوري ليسجل انتصارات.

إن سورية حليفة إيران الاستراتيجية، لكنها في الوقت نفسه تريد أن تضغط على الغرب ودول أخرى، كي تنال ما يكفيها، وعندها «قد» تغير من سياستها.

يؤكد الدبلوماسي الغربي، أن سورية مستعدة للتغيير، شرط أن يدفع الغرب الكثير. والغرب هنا يعني إسرائيل والولايات المتحدة: أن تعيد إسرائيل هضبة الجولان، وأن يتعهد الأميركيون بمعاملتها اقتصاديا كمعاملتهم لمصر بعد كامب ديفيد، لأن الاقتصاد السوري سيئ جدا. يضيف أن إيران تساعد سورية اقتصاديا، لكنها هي نفسها تعاني مشاكل اقتصادية، تبني مصافي نفط في سورية وأنشأت مصارف مشتركة، إنما كلها منافذ تستعملها إيران لتجاوز الحصار. يبذل الإيرانيون جهدا لإبقاء سورية معهم، يلجأون إلى ما يسمى بـ«عناق الدب»، اقتصاديا وسياسيا، ثم إنهم يحتاجون إلى سورية في الوقت نفسه، لأنها بوابتهم إلى العالم العربي.

يلفت أحد المشاركين إلى تقرير الوكالة الدولية للطاقة النووية، الذي صدر قبل أسبوعين، ويقول إن أبرز ما جاء فيه الإشارة إلى التعاون النووي بين سورية وإيران، قال: نعرف عن التعاون في مجال الصواريخ بين الدولتين. فأغلب مشاريع الصواريخ السورية تعتمد على المعرفة الإيرانية والكورية الشمالية، وقد بدأت سورية تنتج الصواريخ، ليس بمستوى «شهاب 3»، إنما لديها مشاريع مشتركة مع إيران لتحسين قدرة صواريخها ودقتها.

في الماضي، كانت إيران المزود الأساسي لسلاح حزب الله، اليوم صارت سورية، ويكشف ضابط شارك في الندوة، عن أن مصنع «سيرس» في دمشق هو المكان الذي تصنّع فيه الأسلحة والصواريخ لتزويد حزب الله، والتمويل إيراني. يقول: في هذا المجال، سورية تستعمل إيران، إنها تستمر في تسليح حزب الله، لأنها تحتاجه في لبنان وضد إسرائيل، وإيران تدفع تكاليف تدريب عناصر حزب الله في سورية وتسليحه، لأنها أيضا تحتاج إليه. كما يتم في سورية تدريب مقاتلي حماس على فكفكة الصاروخ الإيراني إلى ثلاثة أقسام لتتم إعادة تركيبه في غزة، إذ لا يمكن تهريبه بطوله عبر الأنفاق. بعد تقسيمه يتم إيصاله إلى السودان ومنه إلى سيناء، وبعد ذلك عبر الأنفاق إلى غزة.

مع الإشارة إلى تقرير الوكالة الدولية للطاقة النووية الأخير، ولأن سورية لا تملك الأموال الكافية لمثل هذا المشروع تكفلت إيران بالتمويل. هذا من ضمن التحالف الاستراتيجي بين الدولتين، وهو يعطي قوة لإيران إذ يظهر حاجة سورية إليها استراتيجيا، وبالتالي فإنه يصعب عليها الانفصال مجانا.

لذلك، لا يتوقع الأميركيون تغييرا «علنيا» في السياسة السورية، على الرغم من أن وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، شطحت بشكل جلب لها السخرية من الأصدقاء قبل الأعداء.

همُّ القيادة السورية الوحيد النفوذ على لبنان. إن سورية لاعب أساسي فيه، لديها حزب الله أهم استثمار، ويعرف اللبنانيون أن عملية 7 أيار (مايو) لن تتكرر، بمعنى أنها إذا حدثت مرة أخرى، فلن يكتفي الحزب ببيروت، بل يريد فرض سيطرته على كل لبنان، إذا استطاع، ويبدو أن هذه «المعلومة» تسربت إلى كبار المسؤولين اللبنانيين.

الحكومة اللبنانية عالقة بين حزب الله وإيران وسورية. وبالتالي، لا تستطيع إيجاد حل لسلاح حزب الله، ودعوة الرئيس اللبناني ميشال سليمان إلى انعقاد طاولة الحوار، محاولة سورية لإرضائه وربما لإحراجه. كل ما يستطيعه الحكم في لبنان المحافظة على الوضع القائم!