إن لم تستجدّ معجزة.. قمة «سِرت» ستكون آخر القمم العربية!

TT

بينما ينظر العرب إلى قمتهم الجديدة، التي من المفترض أن تنعقد في «سِرت» في الجماهيرية الليبية في نهايات هذا الشهر، ربما ليس على أحرّ من الجمر، فإن ما يجب تذكيرهم به هو أن قادتهم قد عقدوا منذ إنشاء الجامعة العربية في عام 1945 ثلاثا وثلاثين «قمة» من بينها اثنتان وعشرون عادية وتسع طارئة وواحدة اقتصادية، وحيث اتخذت هذه القمم، التي تلاحقت على مدى كل هذه الفترة الطويلة والتي تحولت ابتداء بالعام 2001 إلى سنوية دورية، أكثر من ثلاثمائة قرار لم ينفذ منها إلا النزر اليسير.

كان المفترض بدءا بعام 2001 أن يكون جدول أعمال القمة الدورية السنوية من بند واحد، بالإضافة إلى ما قد يطرأ من تطورات عاجلة، لكن هذا في حقيقة الأمر لم يحدث، وتنقلت القمم اللاحقة من عمان إلى بيروت إلى شرم الشيخ إلى تونس إلى الجزائر إلى الخرطوم إلى الرياض ثم إلى دمشق ومنها إلى الدوحة في شهر يناير (كانون الثاني) عام 2009 حيث كانت هذه القمة طارئة وانعقدت في العاصمة القطرية على خلفية العدوان الإسرائيلي على غزة، وحيث أدانت في بيانها الختامي ذلك العدوان وأكدت على حق الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال في المقاومة وتقرير المصير وفقا لقواعد القانون الدولي.

لقد كانت قمة عمان 2001 قمة المأزق العراقي - الكويتي المترتب على غزو صدام حسين للكويت في عام 1990 وكانت قمة بيروت الدورية في العام التالي قمة تبنّي المبادرة العربية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي كان وقتها ولي عهد المملكة العربية السعودية بينما كانت قمة شرم الشيخ في عام 2003 قمة الغزو الأميركي للعراق وكانت قمة تونس في العام اللاحق 2004 قمة وثيقة إصلاح وتعديل ميثاق الجامعة العربية، أما قمة الجزائر 2005 التي هي أول قمة تُعقد بعد وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وأول قمة تُعقد بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري قمة تجديد الالتزام بالسلام «العادل والشامل والدائم» وعلى أساس أن العملية السلمية كل لا يتجزأ وأنها تقوم على أساس الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة «ذات الصلة»، ولا سيما القراران 242 و338 ومبدأ الأرض مقابل السلام ومرجعية مؤتمر مدريد.

أما قمة الخرطوم العادية في عام 2006 فإنها كانت قمة روتينية عادية جدد خلالها العرب التأكيد على مبادرتهم للسلام، وفقا لمقررات قمة بيروت 2002 بينما كانت قمة دمشق 2008 قمة خلافية غاب عنها معظم قادة الدول العربية الرئيسية، وذلك في حين أن قمة الدوحة 2009 كانت قمة طارئة وكان أهم إنجازاتها هو لملمة الوضع العربي في الحدود المقبولة استنادا إلى المبادرة الشجاعة التي كان اتخذها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في قمة الكويت الاقتصادية التي تحولت في ضوء هذه المبادرة إلى قمة سياسية بكل معنى لهذه الكلمة.

والآن وقد أصبحت قمة «سرت» على الأبواب فإن السؤال الذي يتردد، في ضوء بعض ما يُطبخ سرا، هو: هل هذه القمة ستكون محطة أخرى على هذا الطريق الطويل وستلتئم بالطريقة التلقائية نفسها التي التأمت بها القمم التي سبقتها الدورية وغير الدورية أم أنها ستكون آخر القمم العربية وأن العمل العربي مقبل على مرحلة جديدة غير هذه المرحلة التي تواصلت منذ عام 1945 وحتى هذه اللحظة؟

وهنا فإن الحقيقة التي يجب أن تقال هي أن هذه القمة قد تُعقد وبالطريقة نفسها التي انعقدت بها قمة دمشق آنفة الذكر، لكن ما غير مضمون أن قمة أخرى ستتبعها بعد عام، فهناك تعقيدات كثيرة وهناك مستجدات مختلَف بشأنها من الألف إلى الياء، وهناك هذا الوضع الإقليمي المحتقن الذي ازداد احتقانا بعد الزيارة الدمشقية الأخيرة التي قام بها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والتقى خلالها بالإضافة إلى زعيم حزب الله حسن نصر الله قادة الفصائل الفلسطينية المعارضة الذين انتقلوا بعد هذه الزيارة بيومين إلى إيران ليحضروا مؤتمرا تصعيديا انعقد لاحقا في طهران تحت شعار «المواجهة مع الاستكبار العالمي والولايات المتحدة».

إن هذه مسألة سيتم إقحامها على جدول أعمال هذه القمة المنتظرة إن بصيغة أو بأخرى، ثم إن هناك «المصالحة الفلسطينية» التي انتهت إلى ما كان أعلنه الناطق باسم حماس محمد نزال قبل أيام، حيث حمّل مسؤولية فشل هذه المصالحة لمصر، وحيث أكد على أن حركته لن توقع إطلاقا على الورقة المصرية التي كان أعدها المصريون بعد جهود مكثفة ومضنية ووقعتها حركة فتح وامتنعت عن توقيعها حركة المقاومة الإسلامية لأسباب غير مقنعة معروفة.

ولعل ما تجب الإشارة إليه على هذا الصعيد أن ما يدل على أن مشكلة المصالحة الفلسطينية قد تتحول إلى لغم لتفجير هذه القمة إن هي انعقدت، بل أنه قد يحول دون انعقادها هو أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) لم ينجح في القيام بزيارة إلى دمشق في الخامس والعشرين من الشهر الماضي رغم أنه تلقى موافقة مسبقة عليها من قبل مستويات سورية عليا وأنه قام قبل ذلك بزيارة متفق عليها وبدعوة رسمية إلى طرابلس الغرب، لكنها كانت زيارة فاشلة لأنه لم يستطع لقاء العقيد معمر القذافي مما اضطره إلى الانتقال إلى باريس في زيارة إلى فرنسا بعد انتظار يومين للقاء لم يتم مع قائد الثورة الليبية.

ويبدو أن ما حال دون إتمام هاتين الزيارتين هو أن أبو مازن قد طولب بأن يتخلى عن وساطة مصر وعن الورقة المصرية وأن يأتي سواء إلى دمشق أو إلى طرابلس الغرب ليلتقي خالد مشعل وليبرم معه صفقة أخرى بمعطيات غير معطيات ما أسفرت عنه الجهود المصرية، لكنه رفض فرُفضت زيارته إلى العاصمة الليبية ثم إلى العاصمة السورية وهكذا فقد بقي هذا الأمر عالقا وقد يتحول إلى أحد الألغام التي قد تنفجر في قمة «سرت» العربية التي رغم أنها باتت على الأبواب فإن انعقادها لا يزال يواجَه بتعقيدات كثيرة.

وبهذا فإنه يمكن القول، مع الأسف، إن الطرق إلى هذه القمة لا تزال لا هي سالكة ولا هي آمنة وبخاصة أن هناك معلومات، قد تكون صحيحة، تتحدث عن تبلور محور عربي على خلفية رفضية مناوئة لمصر بالدرجة الأولى ولما يسمى محور الاعتدال بالدرجة الثانية قوامه سورية والجزائر وقطر والجماهيرية الليبية وأن دول هذا المحور قد أعدّت ورقة من ثلاث نقاط قررت الذهاب بها إلى قمة «سرت»، وهذه النقاط هي:

أولا: أن جهود مصر بالنسبة إلى المصالحة الفلسطينية قد فشلت وأنه لا بد من إحضار خالد مشعل إلى هذه القمة لتتم خلالها مصالحة مفروضة بينه وبين محمود عباس وعلى أسس غير التي تضمنتها ورقة المصالحة المصرية.

ثانيا: أنه لا بد من فك الحصار المفروض على قطاع غزة مع الإشارة ضمنا إلى إدانة الجدار الذي تقوم مصر ببنائه على طول تلاقي حدودها مع الحدود الفلسطينية.

ثالثا: إعداد مشروع ميثاق جديد للجامعة العربية أهم ما فيه أن لا تكون القاهرة مركزا دائما لهذه «الجامعة» وأن يكون الأمين العام بالتناوب بين الدول الأعضاء وعلى الطريقة المتبعة في الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي.

ويقال هنا إن العقيد القذافي بالإضافة إلى هذا ينوي طرح اقتراح على هذه القمة يقضي بضرورة حل الجامعة العربية واستبدال اتحاد عربي له رئيس ووزير خارجية، بها، وأن يكون هو الرئيس الأول على اعتبار أن ليبيا هي رئيسة القمة الجديدة، وهذا يشكل نقطة خلافية كبيرة إن هي طُرحت قبل القمة فإنها قد لا تُعقد وإن هي طُرحت خلالها فإنها ستؤدي إلى انفجارها بالتأكيد.

إنها قمة المآزق الكثيرة، والواضح أن هناك استهدافا مبيتا لمصر وأن هناك ما دفع الرئيس الفلسطيني إلى الإعلان عن أن حضوره هذه القمة متوقف على عدم حضور خالد مشعل، وهذا كله وغيره يجعل قمة «سرت» قد لا تعقد، وإن هي انعقدت فقد تكون آخر القمم العربية.