إشارات حرب؟

TT

السؤال المهيمن على المنطقة العربية اليوم هو: هل هناك حرب قادمة بين إيران وإسرائيل، أو إيران والولايات المتحدة بشأن قدرات إيران النووية؟ لا شك أن كل التصريحات الإسرائيلية وحطب السيد حسن نصر الله، واجتماع دمشق، والمناورات المشتركة بين القوات الأميركية والإسرائيلية، وزيادة التحركات السياسية والدبلوماسية في المنطقة، هي في مجملها إشارات حرب، ولكن هل هي مجرد إشارات بهدف التخويف أم أنها إشارات ودلالات حقيقية لحرب قادمة قريبا؟

بداية، الحرب مفيدة لكل الأطراف. إسرائيل تحتاج إلى الحرب بهدف إعادة الثقة بين الجيش والمجتمع الإسرائيلي التي اهتزت بعد حربها مع حزب الله عام 2006. كذلك وبعد تهديدات أحمدي نجاد بمحو إسرائيل من الخارطة، يحس الإسرائيليون بأن من واجبهم القضاء على قدرة إيران النووية المحتملة، وإلا فإن هذه القدرة ستوجه ضدهم، ومن هذا المنطلق قد تستخدم إسرائيل كل ما لديها من أدوات لكسر شوكة إيران. هي معركة وجود لا معركة حدود تلك التي ستدور رحاها بين إسرائيل وإيران، ومن هنا أقول إن هذه الحرب ستكون من أسوأ حروب المنطقة وربما أبشعها.

مهم أن نعرف أن إيران اليوم بعد إعلان التخصيب تختلف عن وضعها قبل التخصيب في ما يخص الرؤية الغربية لهذه الدولة. كما أن محركات النظام السياسي الإيراني تدفع الدولة في اتجاهات ربما لم تفكر فيها أو في تبعاتها من قبل من حيث تطوير القدرات النووية لإيران، كما أن إيران بعد الانتخابات الرئاسية المشكوك في نتائجها والتي شقت المجتمع الإيراني إلى نصفين، هي غير إيران ما قبل الانتخابات. القدرات النووية وحديث التخصيب كله يصب في مهمة رأب الصدع وتجسير الهوة الداخلية التي حدثت في إيران بعد الانتخابات الرئاسية المشبوهة.

الغرب أيضا قلق من تطور القدرات العسكرية الإيرانية بشقيها النووي والصاروخي، لذا مهما ادعى الأميركيون والأوروبيون بأنهم يفضلون حلا دبلوماسيا، فإن نتيجة التفاعلات الدولية بين بعضهم وبعض وبينهم وبين واشنطن قد تحرك عجلات الحرب (الضربات الجوية على الأقل) وتخرس الدبلوماسية.

التخصيب والقدرات النووية أساسية بالنسبة لإيران، فإيران لن تتراجع في مسألة تخصيب اليورانيوم ولن توافق على التخلي التام عن برنامجها النووي. وأسباب إيران كثيرة.

لقد أحس الإيرانيون بعد التخصيب بالفخر الوطني وبالاعتزاز بإنجازات علماء الثورة وقدرتهم على تركيب نظام تخصيب ناجح، هذا الفخر والاعتزاز تفتح في الوطنية الإيرانية ذات اللون الإسلامي، ويجعل حراس الثورة يحسون بالنشوة والزهو. وتخلي إيران عن التخضيب من المؤكد أنه سيؤدي إلى حالة إحباط داخلية وحالة انفصام بين النظام ومؤيديه في الداخل وحتى في المنطقة، خصوصا بعد ظهور معارضة حقيقية للنظام بعد الانتخابات الرئاسية المشبوهة.

المحركات الداخلية الإيرانية تدفع إلى مزيد من التصعيد مع الجيران بهدف الهيمنة على الخليج، وتدفع إلى التصعيد مع أميركا بهدف الندية. فعلى أميركا أن تحاور إيران حول العراق، وحول التخصيب، ومياه الخليج. إيران ببساطة تصبح القطب الرئيسي في الإقليم الذي تتحدث معه أوروبا أو أميركا في ما يخص أي ترتيبات سياسية أو أمنية في المنطقة. هذه هي الرؤية الإيرانية، فهل تقبل واشنطن بهذا الوضع؟

رغم تعدد الرؤى في واشنطن ولندن وتل أبيب، فإن هذه العواصم لا تقبل بإيران كقوة إقليمية نووية. الأميركيون اليوم يتعاطون مع المسألة الإيرانية بشكل قانوني بحت من أجل تجييش المجتمع الدولي ضد إيران كما فعلوا مع صدام حسين. إضافة إلى أن الجماعة الحاكمة في إسرائيل اليوم هي من مدرسة «من ليس معنا فهو مع الإرهاب»، فإن كان هذا هو المنظور المسيطر على بنيامين نتنياهو وجماعته، يكون النظر إلى الموضوع النووي الإيراني، والسياسة الناتجة عن هذا المنظور، هو تبني خيار ضرب المفاعلات النووية الإيرانية على الأقل من الجو، إن لم تكن هناك قوات كافية للمواجهة مع إيران. كل ما نراه اليوم في المنطقة من كل الأطراف هي إشارات حرب، ويبدو أن العجلة قد دارت.