أزمة «تويوتا»: رقائق الكومبيوتر في مقابل العامل البشري

TT

تمكنت «تويوتا» خلال العقود الماضية من تحقيق وجود قوي في الولايات المتحدة من خلال الخدمة الجيدة للعملاء، بالإضافة إلى تنفيذ ما تريده الولايات المتحدة الأميركية. ولكنها تعثرت بشدة في الوقت الراهن؛ لأن عامل قوتها - «طريقتها في مراكمة التحسينات الصغيرة» أو فلسفة «كايزن» - أصبح هو عامل ضعفها في عصر المحركات الإلكترونية المعقدة.

وهناك الكثير من الأسباب التي تجعلنا نعتقد أن «تويوتا» سوف تتغلب على مشكلاتها الفنية والإدارية. ولكن السؤال هو ما إذا كانت - تحت وطأة ذعرها من زخم الإعلام الأميركي المختلف عن الإعلام الياباني المحافظ وتسليط الأضواء عليها - سوف تجعل أزمتها أكثر عمقا من خلال خسارتها لسمعتها وثقة العملاء بها، التي استغرق بناؤها وقتا طويلا أم لا؟ وهو ما سيكون أمرا سيئا لـ«تويوتا» ولأميركا على حد سواء.

لقد واجهت معظم شركات السيارات قبل ذلك، بما في ذلك «فورد» و«جي إم»، مشكلات دفعتها إلى سحب سياراتها مثلما فعلت «تويوتا». ويبدو أن الجميع حاول تجاهل الأدلة المبكرة، التي تشير إلى وجود عيوب بسياراتهم، حتى لو كانت تلك العيوب تتعلق بعوامل السلامة. وهو ما يذكرنا بالحملة التي شنها رالف نادر، أحد النشطاء في مجال الدفاع عن حقوق المستهلك الأميركي، تحت شعار «غير آمن عند جميع السرعات» في الولايات المتحدة في عام 1965، التي كانت تشتمل على سيارات شيفروليه كورفير التي تنتجها «جي إم».

ومع ذلك، فإن طبيعة الكثير من المشكلات التي ظهرت أخيرا في ظل البرمجة الإلكترونية للسيارات؛ مثل مشكلة نظام المكابح في سيارة بريوس، طبيعة مختلفة للغاية. حيث إن عملية سحب السيارات التي قامت بها «تويوتا» كانت بغرض التقييم الهندسي؛ ولو كان يمكن تعديل تلك العيوب في السيارات المسحوبة مباشرة، لتمكنت «تويوتا» من إصلاح ذلك في وقت قصير.

ولكن ما نراه يمكن أن يمثل مشكلة أساسية لها علاقة بوحدة التحكم في المحرك ككل. ففي سيارات «تويوتا» بصفة عامة، يوجد نحو 24 ألفا من المدخلات والمخرجات، بالإضافة إلى نحو 70 من رقائق الكومبيوتر لمعالجة المعلومات ثم إرسالها عبر شرائح أخرى إلى إدارة وحدات التحكم في المحرك، وهو نظام معقد للغاية.

وتمثل هذه الأنظمة المعقدة مشكلة هذه الأيام لجميع الشركات المنتجة للسيارات - سواء كانت ألمانية، أو أميركية أو يابانية - نظرا إلى أن نحو 60% من السيارات الحديثة تتكون من الإلكترونيات. ولكن «تويوتا» كانت العصفور الذي وقع في الفخ؛ لأنها تعد كبرى شركات السيارات في العالم، حيث لديها 50 مصنعا لتصنيع السيارات خارج اليابان. كما كانت تويوتا تتوسع بمعدلات متسارعة حتى إنه أصبح لديها سيارات على الطريق أكثر من أي شركة سيارات أخرى على وجه البسيطة.

وما نراه في حالة «تويوتا» على وجه الخصوص هو أن ذلك التعقيد التكنولوجي قد طغى على مفهوم «الكايزن» الشهير - «مراكمة التحسينات الصغيرة» - وهو ما ساعد «تويوتا» على أن تصبح شركة بمثل ذلك الحجم. حيث كانت هذه الشركات تنفذ ممارسات «الكايزن» منذ المراحل الأولية وصولا إلى مرحلة تجميع السيارة، حتى إنها لم تعد تملك الصورة الكاملة لكيفية عمل المحرك الإلكتروني، وبالتالي معالجة مفهوم السلامة. وبالتالي، فيعد ذلك تبسيطا لفلسفة «كايزن»، التي اعتمدت عليها اليابان لكي تصبح المركز الرئيسي لصناعة الجودة.

فإذا لم تعترف «تويوتا» بذلك واكتفت بإرجاع كل مشكلاتها إلى حصائر الأرضية التي تعلق بدواسة البنزين، أو اكتفت بإعادة ضبط حواسيبها، فإنها ستكون قد تجاهلت المشكلة الأساسية.

وذلك أن ما فشلت فيه «تويوتا» هو أنها بدلا من أن تجري مراجعة لنظام سلامة وحدة المحرك بأكمله فإنها ركزت على تحديد وظيفة الآلاف من أجزاء المحرك الإلكتروني، وما تفتقر إليه هذه الشركة هو العامل البشري؛ أي شخص واحد لديه رؤية شاملة لأجزاء المحرك وكيفية تفاعل بعضها مع بعض.

ففي الماضي، كان هناك مهندس رئيسي مسؤول عن تصميم كل شيء. وكان ذلك ينطبق على الشرائح والطائرات، بل حتى المفاعلات النووية. أما الآن، فقد تم تقسيم عمليات التصميم والإنتاج إلى نطاق واسع من العمليات الصغيرة حتى لم يعد هناك شخص في الجيل الجديد من المهندسين بـ«تويوتا» يبدو على اطلاع بالصورة الكاملة. فربما يكون المهندس الذي يبلغ عمره 45 عاما في «تويوتا» حاليا قد قضى الخمسة وعشرين عاما الماضية من عمره في العمل على مراكمة التطورات الصغيرة.

مما يعني أنه على «تويوتا» أن تعتمد على نظرية تنظيمية أخرى بخلاف «كايزن» تمكنها من مراقبة الخصائص الأمنية بالغة الأهمية التي قد تضررت أثناء عمليات التطوير العديدة، والتي كانت تتم منذ سنوات بعيدة. وهي مشكلة لها علاقة بفلسفة الإدارة وليست مشكلة فنية. فيجب أن تتوصل الشركة إلى نظام جديد «يجمع بين الإنسان والآلة» لكي يتمم فلسفة «كايزن»، أو بمعنى آخر نظام يمكنه أن يتعامل مع الصورة الكاملة لنظام سلامة المحركات بدلا من النظر من منظور ضيق يقتصر على معالجة الأجزاء الصغيرة.

وأعتقد أن «تويوتا» يمكنها أن تواجه ذلك التحدي، ولكن التحدي الذي أخشى أن - ربما - تخفق فيه هو التحدي النفسي، حيث من الواضح أن قيادات الشركة تشعر بالارتباك إثر الهجوم السياسي والهجوم الإعلامي الذي يتعرضون له في الولايات المتحدة التي تعد أكبر أسواق الشركة.

ومن جهة أخرى، يعطي أكيو تويودا، الصموت والمتواضع، الذي يعرف قدرا ضئيلا من الإنجليزية حتى إنه يجد صعوبة في اختيار الكلمات الصحيحة، والذي أدلى بشهادته أمام الكونغرس الأميركي، انطباعا خاطئا، حيث يوجد صدام بين الثقافة الأميركية السياسية والإعلامية الحادة، ونظيراتها اليابانية المتحفظة.

ففي الوقت الذي تحاسب فيه أميركا شركة «تويوتا» بشأن السلامة، يجب عليها أن تضع الشركة في المكان الملائم لها. فقد كانت «تويوتا» دائما تفي باحتياجات السوق الأميركية والسياسيين الأميركيين من دون أن تقصر في الإنتاجية أو الجودة. وذلك أن كانت الولايات المتحدة قد طلبت من شركة «تويوتا» أن تنتج سياراتها داخل الولايات المتحدة بدلا من أن يكون على الولايات المتحدة استيرادها من اليابان كما طالبت «تويوتا» بأن تستخدم 50% من المكونات الأميركية المحلية.

وفي الوقت الراهن، يتم إنتاج 2.5 مليون سيارة سنويا في الولايات المتحدة داخل ما يزيد على عشرة مصانع، وهو ما يوفر فرص عمل. كما يبلغ إجمالي الإنفاق السنوي لـ«تويوتا» على شراء المكونات، والبضائع، والخدمات من مئات الموردين الأميركيين أكثر من 22 مليار دولار.

كما انتقلت نحو 95 شركة معدات يابانية من اليابان لكي توفر لشركة «تويوتا» ما تحتاجه في إطار عملية التصنيع، التي تتم تحت شعار «في الوقت الملائم»، وتمثل تلك الشركات شبكة لتوريد المعدات إلى جوار وادي المسيسيبي لم تكن موجودة من قبل.

وتقف «تويوتا» على صفيح ساخن في الوقت الراهن، ولكن يجب على الجميع أن يدرك أن القضية تتعلق بمقايضة النظام الإلكتروني المعقد بالسلامة، في عصر تهيمن فيه الإلكترونيات والحواسيب على صناعة السيارات التي نستخدمها يوميا.

* القطب الإداري الياباني، أحد شركاء شركة «ماكينزي أند كومباني»، وأحد المساهمين في تأسيس شركة الاستشارات الاستراتيجية التابعة لها.. ومؤلف الكثير من الكتب بما فيها «عقل الاستراتيجي» و«عالم بلا حدود».

* خدمة «غلوبال فيوبوينت»