لمن تنعقد طاولة الحوار؟

TT

سواء سمّوا قضيتهم «استراتيجية لبنان الدفاعية» أم «مصير سلاح حزب الله»، يعود اللبنانيون من جديد إلى طاولة الحوار الوطني بهواجس متباينة، وآمال متواضعة تبرر التساؤل عمن سيكون المستفيد من انعقادها.

عامل الوقت، بعد حرب يوليو (تموز) 2006، خذل حزب الله وقوى «14 آذار» معا، ففيما لم تتح تطورات ما بعد الحرب فرصة «وطنية» لتقريب الحزب من الدولة (بمفهومها المؤسساتي) شجعت أحداث 7 أيار 2008 (اجتياح بيروت الغربية) الحزب على التمسك بسلاحه بحيث بات «التنازل» الوحيد الممكن توقعه منه على طاولة الحوار ينحصر في خيارين: إما احتفاظه بسلاحه «برضا» رسمي من الدولة.. أو الاحتفاظ به «بغض نظر» رسمي منها. وعلى صعيد الدولة يوحي «اعتذار» لبنان عن قبول «هدية» طائرات الميغ 29 الروسية، وتفضيل طائرات الهليكوبتر عليها - رغم محدودية مصادره من السلاح الثقيل، ومديونية الخزينة الضخمة (نحو 50 مليار دولار) - بأن الدولة مضطرة، مكرهة لا بطلة، إلى الاعتماد على «مساندة» حزب الله في أي مواجهة عسكرية محتملة مع إسرائيل.

زمن تغذية الأوهام بالأحلام انقضى.. فلا الدولة قادرة، بمفردها، على تحمل مسؤولية ردع إسرائيل، ولا حزب الله في وارد التخلي عن سلاحه، حتى لو كان هذا القرار بيده وحده.. وعليه لا تكمن الأهمية العملية لطاولة الحوار في سحبها التداول بموضوع سلاح حزب الله من الشارع، وإلقائه في أحضان القيادات السياسية، بل في إتاحتها مناسبة «وطنية» لتوصل حزب الله إلى تحديد واضح لعلاقته السياسية مع الدولة واللوجستية مع الجيش.. فلا يتصرف الحزب وكأنه دولة ضمن الدولة، ولا تجر المقاومة الجيش إلى مواجهات جانبية مع إسرائيل لا تخدم تحرير أراضي لبنان المحتلة بقدر ما تعرّض بناه التحتية للدمار.

إلا أن ذلك يستوجب تسليم حزب الله بحصرية قرار الحرب والسلم للحكومة اللبنانية وحدها، خصوصا بعد أن أصبح الحزب جزءا لا يتجزأ من معادلة السلطة، ما يعني أنه لن يكون غائبا عن هذا القرار، علما بأن مصلحته السياسية تقتضي تأمين دعم كل أطياف المجتمع اللبناني الممثلين، حزبيا وطائفيا، في الحكومة لقرار بهذه الخطورة.

أما الأهمية الثانية لاستئناف الحوار فتعود إلى منحه حزب الله فرصة «رسمية» لتقديم التزام قاطع، لكل القيادات اللبنانية، بحصر وجهة استعمال سلاحه ضد العدو الإسرائيلي فقط، خصوصا أن أحداث 7 أيار 2008 أفقدته مصداقية وعده السابق. لا جدال في أن عودة لبنان إلى طاولة الحوار استوجبتها جملة معطيات داخلية وخارجية أحدثها ملاحظات الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، الأخيرة حول تطبيق القرار الدولي 1701.

ولكن هذه العودة تتم في وقت ترتفع فيه وتيرة التوتر في المنطقة، ويتعرض لبنان لتهديدات إسرائيلية متكررة، ما قد يساعد على التوصل إلى شكل من أشكال التنسيق بين «الدولة» و«الحزب»، مع ما يعنيه ذلك من إضفاء بعض الشرعية على سلاح حزب الله. إلا أن العامل المتغيّر هو الظروف الدولية والإقليمية المختلفة عن ظروف المؤتمر السابق، فعلى الصعيد الدولي بات الرهان صعبا على «تصميم» الرئيس الأميركي باراك أوباما على « فرض» التسوية السلمية في الشرق الأوسط بعد سابقة تراجعه عن مطالبة بنيامين نتنياهو بوقف عمليات الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة عقب أول بادرة رفض لطلبه، الأمر الذي قد يعزز حجة «الثوريين» في المنطقة اعتماد المقاومة طريقا وحيدا لتحرير الأرض المحتلة. أما على الصعيد الشرق أوسطي فقد تراجع «الحضور» العربي فيه إلى حد أتاح لإيران وتركيا وإسرائيل التحول إلى القوى الإقليمية المبادرة على ساحته. وإذا كان ثمة وجود لتحرك عربي في المنطقة فهو ينحصر حاليا في الأطراف المتعاطفة مع إيران وتركيا، وتحديدا سورية وحزب الله وحماس.

ولأن إيران تملك مشروعا سياسيا وعسكريا في الشرق الأوسط، فيما تملك تركيا مشروعا سياسيا واقتصاديا فقط.. يجوز التساؤل عما إذا كان الحوار اللبناني يستأنف في ظروف خارجية أكثر ملاءمة لحزب الله منها إلى معارضي سلاحه غير الشرعي.