هل هناك لحم ألذ من «الحبارى»؟!

TT

العرب قبل الإسلام وبعده كانوا إذا «استجار» بهم رجل مطارد يجيرونه ويدافعون عنه، وعندما أتى الإسلام أكد على هذه العادة أو المزيّة، وأصبحت بعض الشعوب المسلمة الأخرى تأخذ بها.

ولكن هل للكائنات الأخرى حق «الاستجارة»؟! ـ دعونا نرى ـ: في روايات التاريخ القديمة أن الشاه محمود سلطان في أفغانستان، خرج يوما للصيد على حصانه، فشاهد غزالا وأخذ يطارده، وكاد يصيده لولا أن الغزال بعد أن أعياه التعب لجأ إلى خيمة مهلهلة لأحد الفقراء، فما كان من صاحب الخيمة إلا أن يقف في وسطها ويمسك بلجام الحصان ويوقفه وسط دهشة الشاه، رافضا أن يمكنه من صيد الغزال، فنهره الشاه قائلا: اترك لجام الحصان وتنح عن وجهي وإلا قتلتك، ألا تعلم أنني الشاه؟! فقال له الرجل: سواء كنت أعلم أو لا أعلم، فإنك لن تقتل الغزال، وإذا كنت لا بد وأن تطلق سهمك فها هو صدري أمامك أطلقه عليه. وكشف له عن صدره الهزيل، ثم أردف قائلا: إن ذلك الغزال لجأ لي في خيمتي وأصبح لزاما علي أن أحافظ عليه ولو تطلب الأمر أن أفديه بحياتي فإنني لن أتردد، وبعد أن تذهب سأطلق سراحه.

وعندما سمع الشاه هذا الكلام وشاهد هذا الإصرار تراجع واستسلم ولوى عنق حصانه وقفل راجعا. وفي اليوم التالي أرسل له بعض أتباعه وأحضروه عنده، وكافأه مكافأة مجزية على شجاعته ووفائه. وفي زماننا الحاضر حصلت حادثة قريبة ومشابهة لذلك، حكاها لي أحدهم وقال: «كنت مرافقا لأحد الأمراء في سيارته في رحلة «قنص» - أي صيد - وكان يحمل على يده صقرا، ويبدو أنه شاهد طائر «الحبارى»، فأطلقه عليها، وأخذ يلاحقها فترة من الوقت، وكلما حاول الإمساك بها كانت تروغ منه، ثم ترتفع إلى عنان السماء وهو خلفها، وتهبط حتى تكاد تلامس الأرض وهو ما زال خلفها بشراسة متناهية، وعندما بلغ التعب والخوف والإنهاك بالحبارى أقصى مداه، وعرفت ألا مهرب ونجاة لها سوى أن تخاطر مخاطرة غير محسوبة، وإذا بنا نفاجأ بها تتجه نحونا بإصرار عجيب ثم تدخل علينا في السيارة، وما هي إلا لحظة وإذا بالصقر يدخل خلفها أيضا، غير أن الأمير بسرعة (البرق) استطاع أن يمسك به ويحول بينه وبينها ثم «يبرقعه»، أي يضع على رأسه وعينيه غطاء جلديا يحجب الرؤية عنه. وقال لنا: هذه الحبارى المسكينة التجأت واستجارت بنا ولا بد أن نجيرها، وأكمل قائلا: اهدأوا ولا تتحركوا، وترك الحبارى جاثمة على أرضية السيارة حتى استراحت وأمنت، وبعدها قال لنا: افتحوا الأبواب، وفعلا فتحناها، فانطلقت محلّقة في رحاب السماء، ولو أنها كانت تستطيع الكلام لقالت بكل تأكيد: شكرا جزيلا. وأخذ الأمير يتابعها بمنظاره المقرب حتى اختفت وراء الأفق، بعدها أمرنا بالرجوع للمخيم دون أن نكمل يومنا، ولم يكن لنا من حديث في تلك الليلة غير حادثة الحبارى.

وفي اليوم التالي: تفاجأنا بالأمير يطلب منا التأهب للرحيل والعودة للمدينة، وترك المقناص نهائيا، ولا أدري إلى الآن هل هو فعل ذلك من شدة تأثره بتلك الحادثة؟! والله إنني لمستغرب (!!)».

عندها سألته: هل كنت سعيدا بما حصل؟ قال: إذا كنت تريد الصراحة لم أكن سعيدا، بل إنني كنت تعيسا جدا، وعدت أسأله: لماذا؟ قال: لقد حرمنا الله يطول عمره من المقناص من أجل حبارى لا تسمن ولا تغني من جوع، وعدت أسأله للمرة الثالثة: ولنفرض أنك كنت في مكانه فماذا كنت ستفعل؟ قال: أول شيء أفرح بوصول الحبارى إلى حدي بكل سهولة، ثم أمسك بها «وأذكّيها» ـ أي أذبحها ـ ثم أستمر بمقناصي لأبحث عن غيرها. وفجأة التفت نحوي وسألني سريعا: هل تعتقد أن هناك لحما ألذ من لحم الحبارى؟!

فأجبته بأسرع مما سأل قائلا له: طبعا هناك ما هو ألذ، ولكنك غشيم.

[email protected]