البوكري!

TT

القول بأن نتائج جائزة بوكر للرواية العربية لعام 2010 كانت مقررة سلفا بعد أن فاز بها الروائي السعودي عبده خال عن روايته «ترمي بشرر» من بين 115 رواية قول لا يستحق شيئا من اهتمامنا، لأننا نتفهم حساسية بعض إخواننا العرب تجاه فوزنا بأي شيء، فهذا البعض يصر على النظر إلينا كمجرد بائعي «بنزين» أمام مضارب خيامنا في الصحراء، ولا علاقة لنا بالأدب، والفن، والإعلام، والرياضة، فصورتنا لديهم لا تتجاوز تلك الصور التي كتبها يحيى يخلف في روايته «نجران تحت الصفر»، أو إبراهيم نصر الله في «حمى البراري»، وكنّا نتحسس في زمن مضى من هذه الرؤية، ولكن دارت الأيام، وطابت لنا - بعد ذلك - لعبة المفاجآت والصدمات الثقافية.

رواية «ترمي بشرر» لعبده خال ليست قفزة في الهواء، ولا رمية من غير رام، ولكنها تطور طبيعي لمجتمع له منجزه، ولروائي كتب عددا من الروايات مثل «الموت يمر من هنا»، و«مدن تأكل العشب»، و«فسوق»، و«الأيام لا تخبئ أحدا»، وغيرها من الأعمال الأدبية، فخال نبت بيئة ثرية بشخوصها، وأحداثها، وحكايات عشقها، وفقرها، وكدحها، بيئة يضرب سكانها في مناكب الأرض من صباح العالمين إلى ليل الكادحين، واستطاع خال بحس الفنان أن يختزن كل تلك الصور ليشكل منها منهله الروائي الفريد الذي تجاوز فيه الحديث عن الطبقة المخملية إلى الحديث عن المهمشين، والمتعبين، وناسجي الأمل على مغازل الصبر في أزقة المدينة الخانقة.

ويرى زميلنا العزيز علي الموسى أن قصة عبده خال هي مع اختياره الطوعي أو القسري أن يبقى بسيطا متواضعا إلى الدرجة التي لا تتناسب مع عقدة الذهول والكبرياء، فيما يكتب، وأن يكون المنتج أكثر شهرة وسطوعا من المصنع، وأرى أن هذه الخاصية هي أجمل ما يميز عبده، فاقترابه العفوي من الناس جعله المنفتح على أسرار الحياة، والملتصق بمعاناة الإنسان، وهو في شخصه الرواية الأجمل من كل ما كتب، رواية الإنسان الذي لا توجد في «فاترينة» ذاته سوى ذاته، بعيدا عن الشخصيات المستعارة، والألوان المتعددة، ومستويات الظهور المتكلفة، وهذا الوجه المعفر بتعب السنين، وقهر الأيام، هو الوجه الذي تفتح له القلوب والعقول أبوابها، وهذه الأبواب - يا صديقي الموسى - أهم، وأعظم، وأصدق، وأكثر حميمية من أبواب الفضائيات، والصالونات الأدبية، والفنادق الكبرى!

باختصار: إن هذا «البوكري»، معلّم الصبيان في الصفوف الأولى في إحدى المدارس الحكومية الابتدائية الذي يُحتفى بفوزه خارجيا، يستحق منّا احتفاء آخر في الساحة المحلية يليق بما أضافه إلينا، فخال نخلة من أعالي نخيل البلاد، ووجه من أبهى الوجوه المضيئة.

[email protected]