تشيلي وهايتي: نظرة على الزلازل والسياسات

TT

القول بأن العاصمة سانتياغو أفضل حالا اليوم من بورت أوبرنس لن يواسي الشعب التشيلي في محنته، فهو لن يبني منازلهم التي دمرت، أو يرد لهم قتلاهم، ولن يعيد لهم بناء مطارهم الذي دمر، أو يقيم المستشفيات الميدانية ويزودهم بإمدادات الطوارئ الضرورية للحيلولة دون ارتفاع أعداد القتلى، وقد يعمل على تثبيط المؤسسات الخيرية حول العالم.

بيد أن المقارنة بين الزلزالين، اللذين ضربا عاصمتين من أميركا اللاتينية في وقت متقارب، لا يمكن تجنبها. وفي كلتا الدولتين تُرك القادة السياسيون يصارعون لاستخدام الألفاظ التي تعبر عن حجم المأساة. فالرئيس التشيلي، مايكل باتشيليتي، على سبيل المثال، وصف الزلزال بأنه «حالة طارئة لم تشهد البلاد مثيلا لها في تاريخها». أما الرئيس الهايتي رينيه بريفال، فقارن بين الزلزال و«الدمار الذي يمكن أن تشهده إذا ما قصفت دولتك 15 يوما متتاليا».

لكن التأثير على السكان لن يكون مماثلا. فدائما ما تقع الزلازل بصورة مفاجئة، ومن ثم فهي دائما نتيجة الحظ السيئ في اليانصيب الجيولوجي، كما كتب زميلي ديفيد إغناتيوس في «الواشنطن بوست» في يناير (كانون الثاني).

بيد أن كلا من التأثيرات القصيرة والطويلة المدى للزلزال - مدى الدمار الذي تحدثه والسرعة التي يعيد بها السكان تنظيم أنفسهم وإعادة البناء - لا ترتبط بالحظ. فمن درسوا المجاعات قالوا إن المجاعات ناجمة عن السياسات والاقتصاديات السيئة إلى جانب الطقس السيئ. الغذاء متوافر دائما في مكان ما، لذا إذا لم تمتلك دولة حاجتها من الغذاء، فلابد وأن هناك تفسيرا غير «كان الصيف الماضي حارا جدا».

قدرة المجتمع على التعافي من كارثة طبيعية هي انعكاس لثقافتها الاقتصادية والسياسية. سيكون هناك الكثير من السلب والنهب في تشيلي هذا الأسبوع لأن المواطنين بدأوا يناضلون من أجل الحياة بين الأنقاض، لكن الجيش التشيلي والشرطة، لا قوات المارينز الأميركية، سيسيطران على الموقف. وستنهار العمارات السكنية الضعيفة على نحو مفاجئ، لكن سيكون هناك مفتشون للمساعدة في تقييم تلك البنايات التي قد تكون آمنة.

كانت القوانين التي طبقتها تشيلي في مجال الإسكان، قبل الزلزال، تلزم مقاولي البناء في كل المباني الجديدة بالالتزام بمعايير مقاومة الزلازل. ولم تكن كل البنايات مطابقة للمواصفات، لكن الكثير منها كان كذلك. ونتيجة لذلك سيحصل سكان البنايات التي لم تلتزم بالمعايير على حقوقهم مرة أخرى. فيشير أحد التقارير إلى أن سكان إحدى البنايات الجديدة التي انهارت في مدينة كونسبكيون قاموا بمقاضاة شركات البناء. والحقيقة أن مناقشة هذا الخيار تشير إلى أن مالكي هذه الشقق يوقنون بأن لديهم نظاما قضائيا فاعلا، قادرا على إجبار المقاولين على دفع تعويضات، وأنظمة بناء تحترم بشكل عام. لكن هايتي لا تملك أيا مما سبق.

على الرغم من أن ذكر هذه الأشياء في الوقت الحالي ليس من اللباقة، لكن تشيلي تقف على طرف نقيض مع هايتي، وتحولت إلى ديمقراطية ناهضة. ففي الانتخابات الأخيرة خسر حزب يسار الوسط الانتخابات لصالح يمين الوسط المعارض للمرة الأولى خلال عقدين. ويتوقع أن تنتقل السلطة دون حوادث عندما يتسلم الرئيس الجديد سباستيان بينيرا منصبه الأسبوع القادم. وعلى الرغم من كون بينيرا مليارديرا، فإنه وجه حملته تلقاء أصحاب المشروعات الصغيرة الذين وعدهم ببيع بعض من أصول شركاته لمنع أي تعارض للمصالح، وعين مجلسا للوزراء ضم عددا من الوزراء المستقلين، بل إن بعضهم كان من يسار الوسط.

بطبيعة الحال، لن نعرف كيف سيكون الرئيس بينيرا، لكن انتخابه معناه قبوله لدى الملايين من التشيليين، وليس لأنه ثري أو لتجاوزه الخلافات الحزبية.

في أعقاب هذه الكوارث الطبيعية ما يهم هو أن إطلاق لفظة ديمقراطية على تشيلي يعني أنها دولة يضع فيها السياسيون مخاوف الناخبين في حسبانهم. يجب أن تعكس الاستجابة لزلزال تشيلي نفس قيم نظام المعاشات الشهير (الذي ابتكره خوزيه بينيرا شقيق الرئيس المنتخب) الذي يقصد من ورائه ضمان تقاعد لائق للعمال العاديين. وخلال الشهور القادمة ربما لا تتمكن الدولة من مساعدة الفقراء الذين عانوا، لكنها لن تتمكن من تجاهلهم إلى ما لا نهاية.

الكوارث لا منطق لها، ولا أهمية سياسية، لكن عملية الانتعاشة التي تتبع الكارثة ذات أثر سياسي أعمق. وعلى الرغم من الزلزال وتوابعه القوية فإن تشيلي ستعود إلى طبيعتها أسرع من تشيلي، فلا شيء يمكن للحظ أن يلعبه هنا.

* خدمة «واشنطن بوست»