العراق غدا!

TT

يتوجه ملايين العراقيين غدا لانتخاب برلمانهم الثاني منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003. وستحدد نتائج الانتخابات العراقية غدا مصير الشعب العراقي للسنوات الأربع القادمة، ولقد كتبت كمتابع للشأن العراقي عن تطورات الأوضاع في العراق منذ سنين طويلة، ولكني أكتب هذه المرة بنوع من القلق الخاص، فلعلي من القلة الذين ما زالوا يرون أملا كبيرا في تطور الديمقراطية العراقية، على الرغم من محاصصة «بريمر» الطائفية التي نفذها الطائفيون، وعلى الرغم من دموية الإرهاب البشعة التي أزهقت حياة مئات الآلاف من الأبرياء، وعلى الرغم من تهجير آلاف الأسر داخل وخارج العراق، وعلى الرغم من كافة أشكال القبح السياسي والفساد المالي والإداري التي وسمت العملية السياسية بالعراق طيلة السنوات السبع الماضية، فإنني لم أفقد الأمل في عراق الغد، ولم أتخل عن كلمات الأمل ومتابعة الإضاءات التي تصدر بين فترة وأخرى، تبشر بعراق طالما حلم به العراقيون، وصادر أحلامهم تجار الدين السياسي هناك، وسماسرة التكسب باسم الدين ومبادئه الرائعة.

الخطر الأمني ما زال يحيق بالعراق، والاختراقات الأمنية انعكاس لما آلت الأوضاع بسبب أخطاء الحكومات السابقة، والفساد المالي تتحمله الحكومة بكل أذرعها ومؤسساتها، لكن تكريس المحاصصة الطائفية، وإبقاء هذه الحالة على ما هي عليه، هي مسؤولية الناخب العراقي غدا. لا مفر للعراقيين سوى بانتخاب قوى عراقية: لا سنية ولا شيعية، وأن يدلوا بأصواتهم لمن يخاطب العراقي كقيمة إنسانية، وكمواطن آدمي له حقوق المواطنة بغض النظر عن دينه وطائفته وقوميته، وأن يتحاشوا من يخاطب انتماءاتهم الطائفية والعرقية.

لقد نأت المرجعية الدينية الشيعية في هذه الانتخابات بمكانتها عن الاستغلال من قبل السياسيين، وتلاشت صور المرشحين الذين زاروا هذا المرجع أو خرجوا للتو من مكاتب المرجعية تلك مثلما حصل في الانتخابات الماضية، في إيحاء مباشر ومتاجرة لا يغفلها فطن بأنهم مرشحو المرجعيات وأنهم يحظون بدعمهم الروحي والمعنوي، وفي هذا النأي بالمرجعية عن وحول السياسة تعزيز لمكانة الدين، وسمو بالعقيدة الدينية فوق السياسة وتلاوينها وتلوّنها وألاعيبها ومكائدها، وإشارة واضحة لحرية الإنسان العراقي في الاختيار المبني على المصلحة الوطنية وليس على تعاليم يسوّقها الساسة باسم المرجعيات البريئة من هذا التسويق.

لن يحيي الوحدة العراقية ويستعيدها سوى القوى المدنية العراقية، ولن تتحقق الديمقراطية التي يتمناها العراقيون بأيدي من مارسوا سياسة «إحنا وأهم» مهما رفعوا من شعارات، ومهما لبسوا من أقنعة، ولا مناص من أن يوجه الناخب رسالة تاريخية غدا بأن العراقي مدني يتوق للحرية والكرامة والاستقرار والتطور.

لعل في المحنة الكويتية التي سببها نظام صدام حسين عام 1990، درسا للعراقيين، فخلال شهور الاحتلال العراقي للكويت، كانت وحدة الكويتيين محورا أساسيا لاستعادة حريتهم، وكانت مثالا يحتذى في اللحمة ورص الصفوف: سنة وشيعة وحضرا وقبائل. يتحجج أعداء الفلسطينيين بتشرذمهم في ضياع فرص السلام وحصولهم على حقوقهم، ويسوق من فقد الأمل بالتجربة العراقية الأمثلة من ركام التاريخ: «هكذا العراقيون منذ الأزل: شقاق وجدل»، «لا يصلح لهم سوى صدام»، «هذولا وين والديمقراطية وين».

يعاني العراق اليوم من تعدد الولاءات، ومن تضارب المرجعيات السياسية، ومن التدخلات الإقليمية والعالمية، لكن العراقيون وحدهم - وليس شعبا آخر غيرهم - سيتوجهون لصناديق الاقتراع، وهم - وليس غيرهم - سيدلون بأصواتهم وسيقررون بأنفسهم مصيرهم ومصير بلدهم في انتخابات يجمع الكثيرون على أنها حاسمة في تحديد مصير عراق الغد.

ترى! هل يصوت العراقيون غدا للعراق أم للطائفية؟ هل يصوت العراقيون غدا للوطن أم للطائفة؟ الإجابة يمتلكها العراقي وحده غدا.