لنقتل الفقر معا وننهض بالعراق

TT

الإرادة السياسية والالتزام السياسي ضرورتان أساسيتان لاستئصال الفقر المدقع، ونحن في العراق لدينا الموارد الكافية لتحقيق ذلك، ربما في غضون جيل واحد. من المؤكد أن تمكين الفقراء يتطلب من الدولة الأمينة على مصالح جميع المواطنين اعتماد سياسات وبرامج توفر للفقراء القدرات التي تعطيهم صوتا في جميع القرارات التي تمس حياتهم، وكما هو معلوم للجميع فإن نظم الحكم الصالح التي تمثل كافة فئات الشعب تمثيلا كاملا وتكون مسؤولة أمامه فعلا، تسعى لضمان مصالح جميع أفراد الشعب وإلى القضاء على الفقر والحرمان وإقامة العدل والعدالة الاجتماعية.

ينبغي أن يصاغ التدخل الحكومي على نحو يساعد الناس على التكيف مع احتياجات السوق، ويؤهل الأسواق للتكيف مع احتياجات الناس. لكن العراق يعاني من نقص حاد في البيانات والمعلومات المتعمقة والضرورية للقيام بمعاينة شاملة للتنمية الإنسانية، لا سيما بالنسبة لتحدي السياق المؤسسي واكتساب المعرفة. إذ إن قلة المعرفة وركود تطورها يحكمان على بلدنا الذي يعاني من ضعف القدرة الإنتاجية وتضاؤل فرص التنمية، بينما «فجوة المعرفة» وليس «فجوة الدخل» أصبحت تعد المحدد الرئيسي لمقدرات الدول في عالم اليوم.

وتشكل النساء اليوم نحو 60% من سكان العراق، وهي شريحة مظلومة ومهملة ومهمشة، وأعداد الأرامل والأيتام تفوق فيها نظيرتها في أي بلد آخر في العالم، كما أن الشباب يشكلون تقريبا 65% من سكان العراق، وهي أيضا شريحة كبيرة ومهمشة. فدون برامج نهضوية تنموية اقتصاديا واجتماعيا وتربويا وثقافيا وسياسيا لهاتين الشريحتين وبقية الشرائح المحتاجة سيكون من الصعب الوصول إلى بر الأمان والاستقرار والازدهار ودولة المواطنة الحقيقية.

إن الخطة الخمسية لمكافحة الفقر وتخفيضه خلال السنوات الخمس القادمة من 23% إلى 14% ليست كافية، وبالإمكان تقليل الفقر بشكل أكبر لو عملنا أكثر لمكافحة الفساد المالي والإداري واتبعنا وطبقنا معاير الحكم الرشيد، ويجب أن نعيد تواصل الشرائح والأفراد الذين انقطع تواصلهم بالمجتمع لضمان انخراطهم واندماجهم فيه، وأن نعطيهم الاحترام للذات والثقة بالنفس والدفع اللازم لمساعدتهم في حل مشكلاتهم ومظالمهم. كما أن حل مشكلة الشباب لا يكمن في عسكرتهم، مع احترامنا واعتزازنا بقوانا الأمنية، فآمال شبابنا أوسع من أن نحجمها وندمجها في الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة.

يترتب علينا جميعا العمل من أجل بدائل مدنية أخرى وخلق فرص عمل والاهتمام بتعليم الشباب والتفكير بالتعليم المهني البديل، ولدينا نماذج تعليمية رائعة على سبيل المثال لا الحصر في البلدان الاسكندنافية، ألمانيا واليابان.

أما إصلاح الإدارة العامة فهي مهمة رئيسية وملحّة تندرج في صميم برنامجنا للإصلاح المؤسسي الأوسع. وهنا فإننا نعيد التأكيد على التمسك بمبدأ عدم رفض الآخر وتوظيف الدين والطائفة والعرق وقيد الحريات والعمل على إصلاح الحكم نحو حكم صالح رشيد. الحكم الرشيد يجلب الحرية والرفاه ويرفع الظلم عن الإنسان ويعطي له حقه، ويتعين علينا إزالة العقبات القانونية والإدارية التي تعيق إنشاء مؤسسات الدولة والهيئات الدستورية ومنظمات المجتمع المدني وشركات القطاع الخاص وعملها بفعالية.

ومعظم الوزارات والمؤسسات العراقية تتسم حاليا بقلة الفاعلية وتدني الكفاءة، ومن أجل إعلاء صوت الناس يجب تقوية مؤسسات الحكم الوطني والمحلي وتضمين الحريات الأساسية وسيادة القانون واستقلالية القضاء وتحرير منظمات المجتمع المدني وتشجيع إعلام حر ومسؤول اجتماعيا. حتى تكتمل الحلقة، يجب التأكيد على أن التعاون والتكامل العراقي ضرورة للحياة الكريمة والمستقبل الأفضل وللمحافظة على المكانة اللائقة للعراق بين الأمم، ودون ذلك تبقى استمرارية العراق في التأريخ محكومة بالقصور الذاتي. فإما نقيم في بلدنا مشروعا نهضويا غايته مستقبل واعد وزاهر لأبنائنا، وإما سنبقى متخانقين متخندقين متصارعين متحاربين ومتخلفين.

* عضو مجلس النواب العراقي