دراما العراق في الدارمي العراقي

TT

كثيرا ما سألني إخواننا العرب من بلدان أفقر من العراق وأقل حظا من العراقيين عن سر الحزن والنواح في الأغاني العراقية. شهدت مشهدا غنى فيه أحد المطربين في حفلة عرس أغنية موغلة بالحزن والشجن، حتى انهار المغني نفسه وانفجر ببكاء عنيف. واقتضى ذلك منا أن نطيب خاطره.

الملانخوليا العراقية ظاهرة عجيبة. كل هذه المآتم وعزاءات الحسين ومواكب اللطم والجلد بالسلاسل جزء منها. تجلت هذه الروح في شعر الدارمي، ذلك النوع الفريد من الأدب الشعبي في العراق. وهو يتكون من بيتين مقفيين فقط. ولهذا سهل نظمه، فوردت منه مجموعات كثيرة صاغها شتى الهواة. بيد أن الدارمي الأصيل يمثل الروح المكتئبة واليائسة من الحياة والمتأهبة للثورة والتمرد:

متعجب المهموم يشرب جكارة (سيجارة)

قلبي بكثر ما نوح تحرقني ناره

قال آخر:

كلش كرهت الروح قمت أحسد اللي مات

عشنا بزمان اللي بيه سهلاته كلفات

وهذا دارمي ربما قيل في عهد صدام حسين:

لا تسأل على الحال، خليها ساكتة

تسأل على المقتول والقاتل انت

غالبا ما يعبر الدارمي عن عذابات الفراق وغياب الأهل والأحباب وتشردهم وهجرتهم وضياعهم في جبهات القتال، مما شاع كثيرا في هذه العهود الثورية:

تعبني طول البعد وشوقي الك يزداد

وحزني على شوفتك يشبه حزن بغداد

شيء عجيب! أصبح حزن أهل بغداد مضربا للمثل حتى بين الفلاحين في الأرياف. وتعالت مشاعر اليأس فقالوا:

وين البخت (الحظ) وتقول لي مبخوت؟

صرت أشتغل دفّان، ما أحد رضي يموت!

ويئسوا من السلطة ووعودها:

قالوا بعد سنتين ونوزع بيوت

تاليها حتى الموت ما عندي تابوت

يرى زميلي هاشم العقابي، الخبير بالشعر الشعبي، أن الدارمي أساسا شعر نسائي يعبر عن سخط المرأة العربية على مجتمعها، وهو موضوع جدير بمقالة مستقلة. وهو ما سأفعله.