خففوا الغناء وقللوا الرقص

TT

أول شروط الوحدة، التكافؤ. والوحدة الأوروبية بدت شيئا مذهلا في تاريخ الأمم، لكن اليوم تبدو وكأن توسعتها كانت مغامرة. فالأزمة اليونانية لم تظهر فقط التفاوت في النهج الاقتصادي والمالي بل التفاوت في النهج الاجتماعي والنظام السياسي والقيم الحياتية. وواضح أن اليونان القديمة التي خرجت منها الديمقراطية هي الآن أقل دول أوروبا ممارسة للديمقراطية. ووفق معايير الشفافية النسبية وحكم القانون السائدين في القارة، فإن اليونان هي من أقل الدول احتراما لهذه المعايير، ربما قبل بلغاريا ورومانيا. لقد أدى توسيع نطاق الوحدة إلى وضع دول مثل ألمانيا وبريطانيا في مصفّ واحد مع اليونان ورومانيا. دولتان لهما تقاليد صارمة نسبيا في موضوع الفساد ودول أخرى تقاليدها في مكان آخر.

يرأس حكومة اليونان اليوم جورج باباندريو، حفيد جورج باباندريو ونجل أندرياس باباندريو. وقد تعاقب الثلاثة على الحكم والمعارضة. وسيطرت عائلة باباندريو على الحياة السياسية منذ نصف قرن باسم الاشتراكية لكنها مارست جميع أنواع البذخ الرأسمالي. وقد تزوج أندرياس باباندريو بمضيفة حسناء وبنى لها قصرا ورديا على تلال أثينا، شبيها بقصر الرئاسة في بيونس أيرس. ذلك أن ديميتريا كانت تحلم بأن تصبح إيفيتا بيرون اليونان. وبالفعل خاضت المعركة الانتخابية بعد وفاة زوجها، لكن اليونان كانت أعقل من الأرجنتين في السياسة، مع أنها لم تكن أعقل منها بكثير في عالم الاقتصاد. فالأولى أفلست فيما الثانية ظلت على شفير الإفلاس.

من الصعب أن نتخيل بلدا مثل اليونان غير قادر على دفع رواتب موظفيه ورواتب متقاعديه وثمن الأدوية في المستشفيات. لكن الدول التي نخرها الفساد منذ عقود لا بد أن تواجه ذات يوم مثل هذا الاستحقاق الصعب. وكم تشبه اليونان الصرار في قصيدة الصرار والنملة. غناء وحداء ورقص وسهر وعمل قليل. وهي بلاد جميلة يطيب فيها الغناء ويحلو الرقص في أي حال. وغريب أن تكون هذه البلاد هي بلاد أرسطو وأفلاطون والإسكندر. ولكن أليست روما هي أيضا بلاد القيصر ومجلس الشيوخ ومعاهد القانون؟ وهل من شيء في إيطاليا اليوم كما كان أيام روما أو في عصر النهضة؟ كم هي الدول التي حافظت على صورتها الغابرة وعصور الانتصار والألق؟ هل لبنان الضئيل اليوم هو لبنان فينيقيا وقرطاج؟

اليونان مدينة بـ400 مليار دولار. ومن أجل أن تسدد جزءا من ديونها يجب أن تقلل من الرقص والغناء وقيلولة بعد الظهر، التي لها قانون خاص يحميها ويقاضي من يعكرها.