الكتاب والعدوان الثلاثي!

TT

مما كان يلفت أنظار شريحة من المسافرين إلى لندن وباريس وبعض العواصم العربية - في مرحلة من المراحل - كتب الزيف والإثارة التي تتكدس على مكتبات الأرصفة، ويكتبها سماسرة، و«بلطجية»، وأفاقون، و«عواطلية»، فما إن تشتري كتابا من هذه الكتب، حتى تكتشف أنك ضحية عدوان ثلاثي، اشترك فيه المؤلف، والناشر، والموزع، فجميعهم اعتدوا على عقلك، ومالك، ووقتك. واليوم يحاصر وعي القارئ هذه الكتب الرديئة حتى لتوشك أن تختفي بعد أن كنت تتعثر بها على الأرصفة في غدوك ورواحك، وما كنت لتدرك تفاهتها وسفالتها لو لم تطالع عينة منها، وهذا يؤكد قول الشاعر والفيلسوف الهندي العظيم طاغور: «إذا أنت أغلقت بابك دون الزيف والضلال امتنعت عنك الحقيقة».

وفي كل معرض للكتاب، يضم أعدادا كبيرة من دور النشر، وعناوين الكتب، نجد أنفسنا في مواجهة خلاف بين اتجاهين: اتجاه يميل إلى فرض الوصاية على ما يقدم في تلك المعارض بحجة حماية المجتمع، وآخر لديه الإحساس بأن المجتمع بلغ مرحلة من النضج تمكن أفراده من تحمل مسؤوليات اختياراتهم، وكثيرا ما يروج هذا الخلاف بطريقة غير مقصودة لمجموعة من الكتب التي يكثر حولها الجدل، و«لو ترك القطا ليلا لنام»، ومثله تلك الكتب.

والحقيقة أن مسألة الرقابة على الكتاب أصبحت جزءا من الماضي، ولم تعد ذات جدوى في زمن الكتاب الإلكتروني، الذي يمكنه أن يطوي المسافات، ويخترق الحجب ليصل إلى طالبه، ولذا يفترض تحويل الطاقة التي تصرف في الرقابة على الكتاب - إن وجدت - إلى طاقة لخلق قارئ أكثر وعيا، وقادر على تقويم ما يقرأ، وحينها سيعجز الزيف والضلال أن يخترق حصانتك الذاتية.

ومن خلال متابعتي لمعرض الكتاب الذي يقام حاليا في الرياض، أشعر بأن وزارة الثقافة والإعلام بقيادة وزيرها الشاعر والمثقف د. عبد العزيز خوجه تعمل بقدر كبير من الوعي والاتزان لإنجاح هذه التظاهرة الثقافية الكبرى، التي توطد لعلاقة إيجابية بين مجتمعنا والكتاب، وتسعى جاهدة إلى تقديم نموذج متطور لإدارة هذا النوع من المعارض يتسم بالعقلانية، والنضج، والقدرة على امتصاص الجدل المثار.

ونحن جميعا نتطلع إلى اليوم الذي تتوسع فيه معارض الكتاب لتشمل مختلف المناطق، بحيث يتمكن الجميع - وهم يستندون إلى وعي الذات - من التفريق بين الكتاب و«سقط الكتاب».